يُعيد رموز السياسة في لبنان، الحال إلى ما هو عليه قبل أكثر من ثلاثين عاما، أي في مطلع الثمانينات الميلادية. إذ كان أمراء الحرب في تلك الفترة يعتمدون على تجارة المخدرات، لتمويل حربهم القذرة وشراء الأسلحة والذخيرة، ودفع رواتب المسلحين من ريعها. واستمر الحال حتى جاء اتفاق الطائف الذي نظم الحياة السياسية في لبنان.

وبعد ولادة الاتفاق توقع الكثير أن تتوقف أشكال تجارة المخدرات، وكان الواقع مُخالفا للتوقعات، حيث استمرت تلك التجارة، بعد توغل عناصر تحولوا إلى «مافيا» مخدرات، تلقى الدعم المطلق من عدد من السياسيين، الذين بدا على بعضهم نعيم مزيف، وتحولت حياتهم من حاراتٍ ذات أزقة ضيقة تُعاني العوز، إلى قصورٍ فارهة، وامتلكوا سيارات فارهة وطائرات خاصة ويخوتا وما شابه وحتى الآن. إذن لفهم ما يحدث، بالضرورة ربط الطُغمة السياسية الفاسدة في لبنان، والتي يُشكلها مجموعات من «الوحوش البشرية»، بمجرمي وعصابات المخدرات، باعتبارهم من يوفرون لتلك الجماعات الغطاء الأمني والسياسي، ودفع ذلك لأن تتحول الحياة في تلك البقعة الجميلة من العالم، إلى كومة من الانحطاط والقذارة والخبث البشري، عبر هندسة الحياة العامة اللبنانية بالدسائس والمؤامرات، إلى أن باتت الدولة مسرح عرائس موغلا في السخرية والسقوط الأخلاقي.

وإلا فمن يملك الأدوات إذا فهمنها أن المخدرات يتم تصنيعها على الأراضي اللبنانية، ومن يملك قرار الموانئ والمطارات والمعابر الحدودية، التي تعبر خلالها المكونات الأساسية لتركيب هذه المواد، وتغادر حيث وجهتها الأخيرة بعد إنتاجها.؟

الجواب، حسن زميرة بلا أدنى شك. ومن يُغطي إجرام الحزب.؟ الجواب، رئيس الجمهورية.

ومن باب وضع الأمور في نصابها، علينا الإقرار بأن الجماعات المعروفة – المحسوبة على حزب الله – النشطة في تجارة المخدرات ومن يوفر لهم التغطية، هم عبارة عن جماعات إجرامية بالشكل والمضمون، وأن عمليات التهريب التي تنشط بين فينةٍ وأخرى لا تختلف عن أعمال إرهابية، يقوم بها عناصر محسوبون على حزب الله الإجرامي والمنزوين في إطاره.

أما تنامي عمليات التهريب لا سيما باتجاه المملكة العربية السعودية، فيعود لعدة أسباب يُمكن الحديث عنها بكل وضوح. الأول منها هو حالة البغضاء العقائدية التي يُكنها حزب الله الإرهابي، ومن يدعمه سواءً بالغطاء السياسي أو الإعلامي أو حتى الشعبي للمملكة، نظير اختلافات مذهبية بالدرجة الأولى تستند على مبادئ ولاية الفقيه من الناحية الدينية.

ثانياً، لتغطية العجز المالي الذي توقف نوعاً ما، بعد أن قلصت طهران عمليات تمويلها المالية لحزب الله، لفتحها أكثر من جبهة تعتبر مكلفةً من الناحية الاقتصادية، فالجمهورية الإيرانية تُعاني من تمويل حرب جماعة الحوثي الإرهابية ضد السعودية، ومن استنزافٍ مادي بسبب الحرب إلى جانب نظام الأسد في سوريا منذ سنوات، وهذا الأمر خلط الأوراق أمامه – أي الحزب - هو ورموزه والمنتمين له في البرلمان الذين يقتاتون من تجارة المخدرات هم وذووهم والمحسوبون عليهم، وبناء على ذلك يُمكن لنا فهم أسباب استهداف المملكة وشبابها على وجه الخصوص بعمليات تهريب المخدرات المتكررة.

وبالمناسبة يتفاخر بعض المنتمين لحزب الله بتهريب المخدرات ويضعونها من ضمن أدوات المقاومة، التي لم تُقاوم هدفها الرئيس، إنما قاومت إنسانية الشعب اللبناني وحاربته في قوته، وعزلت لبنان عن محيطه فقط من باب اختلاق الأعداء، ليستمر تكريس شعار المقاومة قائما، يقتات عليه ثُلة من المجرمين والسفاحين، أمثال حسن نصر الله وأعضاء حزبه القتلة.

إن الإصرار الذي يسير عليه حزب الله، والذي يجد المساندة والتغطية المطلقة من رئاسة الجمهورية، على تحويل لبنان من دولة عصرية إلى دولة فاشلة بجميع المقومات، وبؤرة لتهريب المخدرات منهجية واضحة المعالم، هدفه الأول والأخير اتساع ارتباط الدولة بنظام ولاية الفقيه، التي قال عنها ولا يخجل «حسن زميرة»، أنه لن يحيد لا هو ولا حزبه ولا لبنان، عن خط صاحب الزمان والمكان آية الله خامنئي.

ويقودني ذلك للاستشهاد بحديثٍ أدلى به البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، لقناة «سي إن بي سي» الأسبوع ما قبل الفائت، أبدى فيه أسفه من تحول لبنان، من سويسرا الشرق، إلى جهنم. لكن لماذا تحولت سويسرا الشرق إلى جهنم الحمراء.؟ الجواب في ثنايا لقاء غبطته. حيث قال الرجل «أنه لم يسمع من حسن نصر الله أي إشارات توحي بحل موضوع السلاح الأكبر من لبنان. وأنه لم يحصل من حزب الله على موقف صريح يحل موضوع الحياد. واضعاً سؤالا كبيرا حول ما إذا كان حزب الله ضد سيادة لبنان على أرضه، وإلا يريد الحزب أن يريد أن يلعب لبنان دوره».

أتصور أن خروج الرمز الديني، الذي يمثل الشريحة الكبرى من المسيحيين في دولةٍ كانت تُسمى لبنان عن صمته، يعطي إشارات بأن المواطن اللبناني بلغ أقصى حالات الغضب والتذمر، وذلك لفقدان الصفة الرسمية للدولة، التي من المفترض أن تكون ذات أركان قائمة ورصينة، بسبب تدني مستوى الأداء الرئاسي، الذي يتحمل مسؤوليته الرؤساء الثلاثة، رئيس الجمهورية «حليف حزب الله» والذي أقول على الدوام أنه «فاقدٌ للأهلية»، ورئيس الحكومة «المُفترض» سعد الحريري الذي يُبادل مواقف الخصوم بالانهزام والضعف، ورئيس البرلمان نبيه بري الذي يُخاطب جموع اللبنانيين من عين التينة، وكأنه في قصر الإليزيه.

ما أريد الوصول له هو أن الموقف الذي اتخذته الرياض، بوقف قرار استيراد بعض السلع من لبنان حتى وإن كان متأخراً، إلا أنه يُعطي دلائل واضحة حول فقدان ثقة المملكة بأركان الدولة اللبنانية، الذين لا يملكون من أمر الدولة مثقال ذرة، بعد أن صادرت مندوبية طهران في ضاحية جنوب بيروت القرار السياسي والشعبي بالقوة والزعرنة.

إن المُدرك للفكر السياسي يعي مدى الحلم والصبر السعودي، ومن هنا يُمكنه أن يجزم، بأن باب التوبة أوصد وأغلق أمام تلك الدولة، لمجرد مشاركة أحد أركانها السياسية والشعبية بحروب ضد المملكة والمنطقة بأسرها، والشواهد عديدة على دعم جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن، التي تطال صواريخها بين فينةٍ وأخرى مدن سعودية، وذلك يؤكد استحالة عودة العلاقات السعودية اللبنانية إلى ما كانت عليه.

أتصور أن الضربة الموجعة التي وجهتها الرياض للبنان، ستدفع حزب الله للخروج عن طوره والانقلاب داخلياً، ليتحول بزعيمه «حسن نصر الله» وأعضائه ومؤيديه إلى كلابٍ مسعورة، لن تجد متنفساً لها إلا بنهش الانسان اللبناني. فلنتذكر ذلك قريباً.. إنا منتظرون.