بلا شك أن دراسة ورؤية الفضاء الخارجي المحيط بهذه الأرض التي نحن عليها تعد من مؤسسات التواضع في منظومة الكيان الإنساني، وهذا ما توصل إليه الفلكيون بعد تأمل اِنْتَهَوهُ بتلك العبارة «دراسة الفضاء تعلم التواضع»، وَأَنِّي لهم من المؤيدين بشريطة أن تكون هذه العبارة في سبيل اَلذِّكْر لا الحصر، فاللبيب والخلوق لا يحتاج لكل ذلك، وإنما رؤية الأبعاد الكونية سوف تصيبه بالذهول والشتات الوجودي، ولقد ذكر الله - عز وجل - في محكم تنزيله عن هذا التأمل الوجودي الذي يولد حقيقة وجود الإنسان لنفسه، حيث قال تعالى: «وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا».

من هنا يشيد ربنا لنا برؤية الموجودات الكونية أمام قدرات الإنسان، حتى ينزل الكينون البشري، ويعلم ما هو عليه أمام هذا الوجود، وألا يكون مختالًا مستكبرًا، ويتواضع.

إن التأمل في الحاصل المتوصل إليه عبر تليسكوب «هابل»، يخبرنا أن الكرة الأرضية هي موازية بالمثل لقشرة على طرف حبة رملية تتوسط صحراء ضخمة، ومن هنا يأتي لنا تحصيل العثرات في هذا الوجود، وسقوط ضخامة «الأنا» الإنسانية المتربية في كينونة، وتسقط في قاع لا خالف له، فكلما ازداد نظر الإنسان علم قدره، علاوة على أن الإنسان إن لم يضع ذاته في موضعها الصحيح، فسوف يُبلى فيها، فهل منصب وظيفي أو حساب بنكي يستكبر بهما بنموذج فرعوني، أو سخرية وجهت إليه لم ينسها حتى اليوم، أو خلاف أو رأي أحدهم فيه يعد بهذه الأهمية أمام هذه الضياع المنفي في هذا الوجود حتى يجعل منه من أولويات اهتماماته، وقد لا ينام الليل جراء ذلك أو يعاني أو يزعج الناس بهذه الأحداث، ويبثها شاكيا؟!.

وكأنما لهذا الحدث أهمية في هذا الوجود الذي سوف ينهيه معه في سلة المقابر، ويكون نسيا منسيا. فعندما نتحدث وُجُودِيّا فهل تكون للإنسان الأهمية حتى يعتقد أحدهم أنه محور لهذا الكون، أو كما خرج فرعون مصرحا «أنا ربكم الأعلى»؟ّ! في غضون أنه منفي في داخل منفى.

بلا شك أن فرعونا إذ شاهد هذا الفضاء لن يتجرأ على قول كل ما ذكره سابقا، على الرغم من أنه بكل سخافة أمر «هامان» ببناء صرح «طيني» له، كي يصعد ليشاهد رب موسى، كونه يتوهم أن السحاب هو سقف الوجود للكون.

وبالمقابل، فهل نحن نقدم لأنفسنا تلك الأهمية في هذا الوجود ونتوهم وكأنما نحن أولياء كونيون وأحق في هذا الوجود كبشر من غيرنا، في حين أن القرآن حصر خلفتنا في الأرض «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»؟، فهل ما زلت تعي ما أعنيه بأن لا أحد يهتم في واقع الأمر بخصوصيتك الوجودية الواهنة في إطار الوجود الكوني؟!، فما بنا أمام عظمة الخالق سبحانه - عز وجل - الذي وضع بين كل سماء وسماء مسافة مسيرة 500 ألف عام، وكما تضمن الحديث القدسي [... يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي شيئًا إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر.. ].

سبحان الله - عز وجل - وأما أنت يا إنسان فما أصغرك في هذا الوجود!.