لا يختلف اثنان على صحة مقولة «إن فرعونية الفكر لا بد أن يكون نتاجها داعشية الفعل».

ومن هذا المنطلق، فإن النقد الهادف لأي مرحلة تاريخية، لا بد أن يقوم على تقييم الواقع وذكر المحاسن والمساوئ، والاستفادة من المعضلات التي كانت تشكل عائقا في تلك الفترة، وإيجاد الحلول على شكل أفكار جديدة وعصرية. ورغم أن أعظم ما يواجهه أي مجتمع هو التعصب للرأي والموروث، وعدم قبول الطرف الآخر، مما يجعلنا نلجأ إلى إخفاء عيوبنا، وعدم الاعتراف بأخطائنا إلا في مرحلة الضعف وانتفاء السلطة.

كذلك، علينا ألا ننسى أنه لإيجاد بيئة نقد هادف، لا بد أن تكون تلك البيئة خالية من القيود، وعندها يصبح لزاما علينا استخدام منهج العقل والاستدلال، وإغفال منهج النقل والتلقين. أما تلك البيئة المغلّفة النابذة للرأي الآخر فهي بيئة التشدد والغلو والرجعية، لمرحلة الصحوة -كما هو حال أي مرحلة- سلبيات وإيجابيات، وأهم تلك السلبيات هي التي ذكرها بعض منظريها في اعترافاتهم، منها الطاعة المطلقة لرموزها، والذين سيطروا على عقلية المجتمع، ووجّهوه حسب رغباتهم، فكان تقسيم المجتمع إلى فئات عدة، وكان التحريض على رجال الأمن واستهدافهم بعمليات انتحارية، وكانت دعوات مبطنة للخلافة الموعودة، والخروج على ولي الأمر، وكان تحريم النشيد الوطني. بل أصبح الأصل في الأشياء التحريم.

وكان العداء للغرب «مع أنه لا بأس في استخدام سيارتهم وملابسهم ومنتجاتهم وشد الرحال إليهم». وكانت التضحية بشباب في عمر الورود، بحثا عن الحور العين، ولا أدري كيف يكون الاعتذار من أب مكلوم وأم ثكلى وابن يتيم وأرملة. وفي هذا الشأن، كنا نسير على خطى من كان قبلنا، ونسير على نهجهم حذو القذة بالقذة، فقد كانت الأمم السابقة تعيش بالأفكار نفسها، إذ كان رجال الدين هم المسيطرون على تفاصيل الحياة.

لقد بدأت عصور التأخر في أوروبا بعدما تم تحريف المسيحية السمحة، لتصبح ناطقة بأهواء ورغبات الرهبان والأساقفة، الذين نصّبوا أنفسهم بدلا من الرّب، ولكن كانت تنقصهم حِكمة الرّب.

لقد وقعنا في الخطأ نفسه الذي وقع فيه من كان قبلنا، وقلدناهم في طائفيتهم ومرجعيتهم وظلامهم، وسلمنا عقولنا وأنفسنا إلى الأرباب، فأخذوا بنواصينا إلى طرق التشدد والغلو. ولكن كل ظلام يعقبه فجر جديد -وإن طال- فكان الخروج من عباءة الغلو إلى الوسطية، وكان التخلص من الانغلاق إلى الانفتاح على الآخرين، فأصبحنا أكثر تقبلا للرأي الآخر وللإنسان الآخر.

وأصبحنا نعلم أن طريق الله لا يحتاج إلى وسطاء وشفعاء ليقربونا إلى الله زلفى. ورغم كل هذا فقد انقسم عرّابو تلك الفترة إلى قسمين: فمنهم من أعلن اعتذاره عن أخطائها وزلاتها، ومنهم من أخذته العزة بالإثم أن يعتذر أو يتراجع.

وأخيرا، نحتاج إلى إرادة عظيمة تجعلنا لا نعيش حبيسي الماضي، وألا نقضي وقتنا في سرد ذكريات تلك الحقبة، وألا نتمادى في التنابز بالألقاب، وأن نشغل أنفسنا بمستقبل واعد ورؤية أفضل، وعمل وولاء وإخلاص لوطن واحد يسع قلبه لنا جميعا.