خلقة واحدة في ملايين الصور والسمات والمزايا والمفارقات.. فيها الأسود، والأبيض، والجميل والقبيح، والغريب، والمألوف، والخبيث، والطيب، وما بين بين مما يتعذر على الحصر والاستيعاب، كل هذا وما إليه في طريق واحد مشترك يحتوي على هذا العالم العجيب في دنيا الخلق والإبداع، عالم الإنسان!

ولهذا كان المبدأ الصحيح هو إلغاء الحواجز وهدم العنصريات بين الناس. والاعتراف بأنهم على مستوى واحد لا يتمايزون فيه أو يتفاضلون بالألوان والصور والثياب. بل بفضائل التقوى فحسب..

الإنسانية هي الوطن الكبير. والناس في هذا الوطن الكبير لم يكونوا شعوبا وقبائل إلا ليتعارفوا فقط.. لا ليتناحروا.. ويتخذوا شعوبهم وقبائلهم أوطانا يمزق بعضها بعضا.

تلك هي الإنسانية لو تحققت كما رسم خطوطها نبي الإنسانية صلوات الله وسلامه عليه، وكما جاء هديها واضحا في القرآن، وكما كان الحج مجتمعا يرمز لها، ويتجدد في كل سنة ليذكر الناس بحقيقة المبدأ الذي يجب أن يسود ليسود بينهم السلام.

نعم إنه مبدأ الإنسانية التي أشعر بها في نفسي كما أشعر بها في نفسك وفي كل نفس أخرى.. إن مثل هذا الشعور يضع حدا للرغبات الشريرة في نفوسنا. فلن يقوم بعده في نفس أحدنا أن يمتص الآخر أو أن يقهره ويتحداه.. ما دمنا قد عرفنا من نحن؟ وما هي حقيقتنا ومركزنا؟ بوجه صحيح.

لقد كانت الإنسانية وما زالت وستظل الوطن الكبير الخالد، وإن عق هذا الوطن أبناؤه.. وبين كل يوم وآخر يقوم دعاة لهذا الوطن الكبير، لكن أحدهم لم يرسم مبادئه وبرنامجه كما رسم ذلك نبي الإسلام، واضحا في كل هدية وتعاليمه.. حتى كان الإسلام حقا هو الإنسانية، وكان الإنسان حقا هو المسلم حقا.

ذلك هو الوطن الكبير، لا الحدود الوهمية على التراب، أو على خرائط هذا التراب..

تأملوا السر في هذا الخليط العجيب من آلاف الناس في أيام كأيام الحج.. إنه سر تشريع «الإنسانية» كوطن كبير والإنسانية الحقة هي الإسلام.. ليس بينها أي اختلاف وليس بين الناس وبين هذه الإنسانية إلا أن يكونوا مسلمين حقا..

لو شاء ربك وكانوا لتلاشت سائر الأوطان في (الوطن الكبير).. ولكانت أيام الحج رمزا دائما لهذا (الوطن الكبير).

إنها لن تصبح مجرد أيام يجتمع الناس فيها ويتفرقون، بل ستصبح رمزا دائما لاجتماعهم واتحاد شملهم تحت لواء (الإسلام) دين (الوطن الكبير).

مثل هذه الوحدة لن تفصمها الحواجز ولا الأنساب، ولن يزيدها الاجتماع في أيام كأيام الحج إلا قوة وتوطيدا.. حتى كأنهم مجتمعون دائما وإن تفرقوا هنا وهناك..

تأملوا بعضكم بعضا.. وملء جوانحكم الإيمان والحب.. إننا سنشعر حقا بتفاهة ما نحن فيه.. وسنحب بعضنا كل الحب...

إن هذا في مقدمة تعاليم ديننا الذي كان وسيظل أفضل دستور لتحقيق حلم (الوطن الكبير).

* أضواء على الطريق