في البداية، لماذا نستطيع أن نسافر برفقة غرباء في الطائرة والسيارة والقطار وغيرها، ونتحمل منهم ما قد يضايقنا أكثر من تحملنا مَن نسافر معهم من أقاربنا ومعارفنا؟، لماذا نستطيع أن نتحمل صراخ طفل غريب مدة طويلة في صالات الانتظار، ولا نتحمل صراخ أطفالنا ربع تلك المدة؟

ببساطة، لأنه ليست لديهم تدخلات في حياتنا بقدر ما لأقاربنا ومعارفنا.

ببساطة، لو تابعت شخصين «كانوا حلوين» وثارت بينهم مشكلة «وبعد أن زاد الملح على باقي مقادير الحلى»، وهَمّ أحدهم بضرب الآخر، فانظر هل يوجد بقربهم أحد آخر كانوا يعرفون أنه يراهم حتى ولو لم يتدخل بينهم.

ويظهر ما أريد قوله في أحد المقاطع التي صورت في نيودلهي الهندية هذه الأيام، وانتشرت حتى وصلتنا هنا، إذ ظهر أب يحمل ساطورا، ويهدد به أحد أفراد الشرطة، ولأن هذا الشرطي، كان يعتقد أن الوضع ملموم، فقد كان متحملا لألفاظ المهدد، والثائر ما زالت «ثورته» تحت السيطرة، وما إن لاحظ ذلك الشرطي أن العالم بدأ يراقب، والتقط المحيطون جوالاتهم للتصوير، حتى ثار الشرطي، واستنجد بمركز الشرطة داعيا أكثر من 10 من زملائه، ليأخذوا بثأره ممن؟؟؟

هو يعتقد أنه من هذا الرجل الثائر، لكنني أعتقد أنه ممن قام بالتصوير، ومن حضر ليتفرج حتى إن لم يكن مشتريا.

وبالفعل، حضرت عناصر الشرطة بالهراوات والرشاشات، وكأن حامل الساطور حاول قلب نظام الحكم، ولم يكن مجرد عابر ثار من ضغوط الحياة، وجمع لقمة العيش له ولابنه الذي ضُرب هو الآخر من هذا الفصيل العسكري، ضربا مكسرا للعظام، فقط لأن والده تلفظ على أحد أفراد الشرطة «فما دخل الابن»، ولو لم يكن بقربهم لحظتها من زاد من شياطين صاحبنا العسكري، الذي وضع في ذلك المكان لحماية الشعب وليس إهانته، حماية الشعب بجميع تفاصيله وألوانه بما في ذلك من يعاني من أمراض نفسية أو عصبية، حتى إن من مهامه حماية من أراد الانتحار، فيحميه من نفسه، وليس يذيقه «الويل وسواد الزنازين والليل»، لأن هناك غرباء بدؤوا مراقبة الوضع فقط.

اتركنا من الهنود الآن و«خلنا في حالنا»: اسأل نفسك عزيزي القارئ، كم مرة رأيت أناسا أغرابا يتشاجرون ويتضاربون، وهم وحدهم في غابة أو حديقة مثلا، وليس بينهم طرف ثالث، «بلاش ذي»، كم مرة عزيزي الزوج ضربت زوجتك لشأن بينكما، ولم تكن هناك تدخلات خارجية من قبل في حياتك. «كذا أوضح».

نظرة للسماء: من أراد الحرية والاستقلالية والخصوصية، فهي ليست في كثرة العوازل الجدرانية وبعد المسافات، بقدر ما هي عوازل على القلب، مصممة لأن تدخل إلى القلب ما يريده صاحب القلب فقط، ولا تسمح بدخول ما يريده من هو حول صاحب القلب.