عادة ما تواجه الأم في زواج ابنها تحديا صعبا ومربكا، خاصة مع دخول عنصر جديد على الأسرة، ألا وهو زوجة الابن، وحديثي اليوم إلى الأمهات اللائي على وشك أن يدخلن هذه التجربة، وما هو إلا محاولة مني للمساعدة على إبحار سفينة الأسرة الجديدة في الحياة، حيث تكونين أيتها الأم الرياح التي تساند لا التي تفرض وتعيق أو تدمر، لا سمح الله، قد تشعرين في بادئ الأمر بتخبط في المشاعر وأنت تكافحين لمحاولة معرفة الموقع الذي ستأخذينه داخل إطار الأسرة الجديدة، وقد تتساءلين: إنه ابني، فهل سأكسب ابنة، أم سأخسر ابنا؟ ما طبيعة علاقتنا؟ كيف سأتفاعل معها؟ هل يمكنني أن أكون على سجيّتي وأنا معها؟

لا يوجد أحد يمكن أن يقدم لك خارطة طريق حول ما يفترض أن تفعله الأم، أو تقوله لجعل علاقتها مريحة مع زوجة ابنها الجديدة، فعلا لن تجدي من سيتبرع ويشرح لك عن كيفية بناء العلاقة بين شخصين غريبين، يجتمعان لأول مرة في قلب أسرة جديدة، وإذا بحثتِ في الإنترنت، أو قمتِ بزيارة مكتبة من أجل القراءة عن الموضوع فما ستجدينه هو الصورة النّمطية عن الحَمَوات، والقصص التي قد تخيفك وتضيف إلى ارتباك مشاعرك تشتُّتاً وحيرة! ولا ننسى أن الدراما العربية والأجنبية لم تنصف الحَمَوات، ولم تبادر إلى إظهار كثير من العلاقات الناجحة والمؤثرة بين الحَمَاة وكَنَّتِها، بل على العكس لأن ما قدمته إما صورة سوداء أو كوميديا استهزاء! ولهذا قد تجدين أنك وحدك في هذه الجزئية من رحلة الحياة!

نعم في بداية هذه العلاقة كلّ من الحماة والكنّة سوف تجد أنها تتعثر، وقد يتكرر هذا التعثر، ولكنه طبيعي بما أنهما يمران في حالة استكشاف وتجربة لجعل هذه العلاقة الفريدة ناجحة ومثمرة لكلتيهما، هنا يجب أن تفكري في كيفية بناء علاقة سليمة وصحية مع كنّتك تكون بمثابة أساس قوي ومتين للسنوات القادمة، وفي الوقت نفسه تعطي المجال لابنك وعَروسه للتركيز على ما هو أكثر أهمية بالنسبة لهما.. ألا وهو بناء أسرتهما الجديدة، وهذا هو هدفك من الأساس، سعادة ابنك وهناءَته.

وحتى أسهّل عليك بداية الطريق جمعتُ لك بعض النصائح حتى تساعدك على البدء من مركز قوي وصلب في بناء علاقة تتطور إلى رابط متين من المحبة والعطاء المتبادل:

1 - تعرّفي على كنّتك، بمعنى كوّني علاقة معها بحيث تكون مستقلة عن ابنك، ماذا تحب؟ وماذا تكره؟ ما هوايتها؟ ما تطلعاتها؟ وكيف يمكن أن تدعميها؟ وما الأمور المشتركة بينكما؟ وما الاختلافات؟ كيف يمكن التعامل مع هذه الاختلافات بحيث لا تؤثر على نمو هذه العلاقة؟ الأمر الذي ينتج عن ذلك أنه كلما تطورت هذه العلاقة إيجابيا أصبح سهلا على كلتيكما أن تكون كل واحدة على طبيعتها عندما تكونان معا، وهنا تصبح العلاقة أعمق من مجرد حماة وكنّة، بل أمّ وابنة.

2 - لتنظري إليها ليس كما تريدين لها أن تكون، بل حاولي أن تتفهمي ما تريد هي أن تكون.

3 - راقبي سلوكياتك وأنت معها، نعم، هذا صعب وأنت تعتقدين أنها هي التي يجب أن تحاسب وتراقب سلوكياتها، ولكن يجب أن تتفهمي أنها في حالة خوف وارتباك، خاصة أنها تركت أسرة لتدخل في محيط أخرى، وهي في طور التعرف أصلا على شريك حياتها، فلا تزيدي الحمل عليها، وخذي بيدها، كوني الموجّه من خلال كلمات طيبة لطيفة، وأوصلي رسالتك من خلال قصة أو مثل شعبي من تراثنا الغني والجميل.

4 - وفي حال أن حدث سوء التفاهم، لا سمح الله، لا تركزي على من هي على حق؟ ومن هي على خطأ، فكل العلاقات تتعرض لسوء الفهم، أو بعض التشويش نظرا لحداثة وعدم خبرة كل منكما بماهية الأخرى، ما مفاتيحها؟ وما الذي تتقبله وما الذي لا تتقبله؟ ركزي على الصورة الأكبر والأكثر أهمية: هل يهمك كونك على حق أم علاقتك مع ابنك وزوجته وأحفاد المستقبل؟

5 - تقبلي أن ابنك أصبح زوجا، وأنه في طور بناء أسرة بطريقته الخاصة، ولقد قمتِ بتربيته جيدا، فثقي بقراراته وخياراته، نعم أنت الجزء الأهم في حياته، وستظلين كذلك، ولكن لا تطالبيه بأن يثبت لك ذلك في كل دقيقة من حياته، دعي له المجال أن يبرّك بطريقته، ثقتك به يجب أن تكون نابعة من ثقتك بتربيتك له، وحبه لها لا ينقص من حبه لك، فقط هو حب مختلف، ويظل الأقوى.

إذا اخترتِ الأخذ بهذه النصائح فسوف تجعلين من هذا الحدث السعيد أن يستمر في سعادة لك ولها، فلا يتطلب الأمر سوى القليل من التفكير والتدبر والتقبل والكثير من الحب. نصائح خرجتُ بها من علاقتي مع والدة زوجي التي انتقلت إلى رحمة الله -تعالى- مؤخرا، وتركت في ذاتي وقلبي وروحي كنزا من الدروس التي أنارت وقوّمت حياتي الزوجية، فكتبت إليها هذا الرثاء الذي لا يفيها ولو جزءا بسيطا من حقها عليّ، أو يعكس ولو جزيئا من ذرات جمال روحها:

إلى أمي التي لم تلدني، إلى والدة زوجي وسندي ورفيقة دربي، إلى جزء عزيز وغال في حياتي، إلى الشعلة التي أضاءت بروحها وقلبها وحنانها أسرة تئنّ حزنا على فراقها، إلى الصوت الذي أحببناه، وصمت لا يزال يتردد صداه داخل قلوبنا، إلى الكيان الذي كان يملأ المكان حيوية وجمالا، إلى من تركت باقة من الذكريات الجميلة غرستها بالابتسام والعطاء، ونرويها اليوم بأدمع الاشتياق، ما زلتِ ساكنة القلوب التي رويتِها بحبك وعطائك.. قلوب تعلّمت منك الصبر على البلاء وروعة الدعاء، بالدعاء سوف نذكرك، بالدعاء سوف نُمطرك، بالدعاء سوف نصلك حتى يحين موعد اللقاء.

نعم نذرف الأدمع لأنها رحلت، ولكننا نبتسم لأنها عاشت، نعم نغمض الأعين ونصلي وندعو لها بالرحمة، ولكننا نفتحها لنرى حولنا كل ما تركته من جمال وترابط وعطاء أسرة رائعة، نعم في قلوبنا فراغ يحنّ إلى رؤيتها، لكنه ممتلئ بالحب الذي أغدقته علينا، قد لا نعيش الأمس ثانية، ولكننا سنسعد لأن ذاك الأمس كان مُضاء بها، أمس عاشت دائما من أجل غده، زارعة التفاؤل والإرادة والإصرار في نفوس أحبابها.

غاليتي.. نعم سوف تستمر حياتنا بدونك، لكن لن تكون بذات الطعم ولا ذات الروح، فكيف نخفي وجعا يتسلل إلى الروح كلما ذُكِر اسمك؟! حزينة هي قلوب أحبتك، صامتة الأدمع التي تسقط بذِكْرك، لن يعود الزمن بنا حيث كنا نستنير بوجودك، ونسعد بنقاء روحك، لكن بذاك الحب الذي غرستِه في قلوبنا، أنت معنا إلى الأبد.

اللهم ارحمها وارحم أمهات أزواجنا، وأسكنهن جنات النعيم، واحفظ الأحياء منهن، وارزقنا برّهن كما رزقتنا برّ أمهاتنا وآبائنا، اللهم آمين.