- ما اهتماماتك البحثية؟

يستقبلني السؤال أعلاه في أي اجتماع أكاديمي مهما اختلف نوعه، من لقاءات القسم المصغرة إلى اجتماعات الجامعة وصولاً للمؤتمرات الدولية والمحلية. يبدي المتخصصون اهتماما بالغا بمعرفة اهتمامات نظرائهم، ويستخدمون هذا السؤال في التعارف، وبناء العلاقات المهنية والتخطيط للمشاريع المستقبلية، أو ببساطة لإيجاد أرضية مشتركة مع الآخر تمنحه فرصة الحديث عن منطقة آمنة ومشوقة ومتجددة بالنسبة له. منطقة يشعر بالانتماء لها والتمكن منها مع أشخاص يمرون بنفس التحديات ويعبرون نفس الطريق. لا يتخوف الباحث الأجنبي من السؤال ولا يحتضن مفكرته بقلق عند سؤاله عن بحثه، بل يبادر للحديث بحماس من يدرك تماما ما يفعله. يتجلى في هذا السؤال فضول الباحث، وتقديره لجهود الآخرين العلمية، واعترافه بقدرة السؤال المناسب الموجه للشخص المناسب على تشكيل الوعي وبناء المعرفة.

حقيقة لا أذكر عدد الدراسات التي قرأتها التي أشار كتابها إلى أن المعرفة تنمو وتتضاعف بالعمل المشترك مع الآخرين الذين يشاركوننا ذات الاهتمامات، فالعلم لا حد له، ويستحيل الإحاطة بكل جوانبه، لكن يمكن الاستفادة من خبرات بعضنا البعض لصناعة بحثية متقنة. يتعلم الإنسان خلال نقاش حر ومقنن ما لا تعلمه إياه عدة محاضرات، وهذا يرجع لعوامل كثيرة من أهمها تعاضد الجوانب الاجتماعية والعاطفية والعقلية في حصول التعلم.

لا شك أن هناك محاذير مبررة تحوم حول هذه الفكرة منها الخوف من سرقة الأفكار والمشاريع البحثية، وهذا قد يحدث حتى مع المشرفين مع الأسف، لكن حصول النقاشات في فضاء عام قد يحفز على طرح سؤال جديد لم يتطرق له أحد. كما أن الأحاديث العامة تمهد للأبحاث المشتركة ولا يتم خلالها مناقشة التفاصيل، ولذلك توثيق ما يتمخض عن هذه النقاشات يحفظ للباحث حقه ويبين إضافته العلمية في المجال سواءً كانت هذه الإضافة سطرا ضمن النظرية أو إطارا بحثيا كاملا.

ما أود حقيقة رؤيته في جامعاتنا ومراكزنا البحثية وتعزيزه بين باحثينا الواعدين، هو فكرة المجتمعات المهنية ذات الاهتمام المشترك، وهذا من صميم عمل وكالات الدراسات العليا والبحث العلمي، ويجب التشجيع عليه والحرص على إبقاء جذوة الأسئلة مشتعلة بين النظراء، وتنمية قدرة الباحث المستجد التحليلية وتشجيعه على طرح السؤال المناسب، فالسؤال الجيد يقود للتحسين أكثر ما تفعله الإجابات الجاهزة. ومع نظام الجامعات الجديد الواعد والترحيب الرائع الذي أبدته قيادات الجامعات بلا استثناء لهذا النظام، أدعوهم لخلع زي المدارس الثانوية عن جانب البحث العلمي والدراسات العليا تحديدا، وارتداء قبعة الباحث على الدوام ولنبدأ مثلا بتدشين (مقهى الباحثين) في كل وكالة للبحث العلمي والدراسات العليا في جامعاتنا، مقهى يلتقي رواده بشكل دوري لتناول القهوة والمعرفة معا، تَجمّع متخصص يهتم بالمحتوى اهتماما يليق بدور الأبحاث والجامعات المتوقع في ريادة المجتمع، وتحقيق رؤية القيادة لهذا الوطن الغالي، ويترجم الدعم اللامحدود الذي يتلقاه التعليم عموما، والجامعات خاصة في بلادنا كل عام.