الأسبوع الماضي غردت وقلت: «قليل من الناس من يدرك أنه يمكن لوفاة حيوان أليف أن يكون محزنا أكثر من موت واحد من الرفاق»، والسبب إرسال ابني محمد رسالة بأن غزالته التي سميناها (عزة) ماتت، والحقيقة لم أكن أظن أني ووالدة محمد وأخواته وأخاه ومن يعرف هذه الغزالة سنصاب بهذا الكم من الحزن، ومباشرة تذكرت وذكرتهم بقوله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}.

موت عزة، الحيوانة، لم يعرف صديقها محمد سببه، إلا أني أعدته بعد قدر الله تعالى، إلى المفارقة الطارئة التي حصلت بين الطرفين، خاصة أن محمدا وبسبب دخوله في أسبوع اختبارات الماجستير خارج البلاد وانشغاله بها، قرر إرسال غزالته لزميله ليقوم برعايتها، والذي لاحظ امتناعها عن الأكل بالطريقة المعتادة، ثم عن التحرك، ولما قررت أخته أخذها للطبيب ماتت في الطريق.

الموضوع بمقدمته قد يبدو لغير المهتمين بالأحاسيس بين الآدميين والحيوانات عاديا، وربما غير ذلك، وبصراحة لو لم أكن مررت بالتجربة لظننت الظن نفسه بمن يقول عنه، ويكتب فيه، ولكن التجربة جعلتني أتعمق في الأمر، ووجدت الموضوع كالبحر، فالعلاقة بين الإنسان والحيوان قديمة، والسبب الأبرز هو أن الحيوان يلبي رغبات الإنسان المختلفة، وليس البشر وحدهم من لديهم القدرة على الإحساس باللذة والألم والخوف، وهناك مشاعر أكثر تعقيدا من ذلك، كالشعور بالغضب على الظلم، أو الألم على فقدان الأحباء، ومن يظن أن هذه المشاعر محصورة على البشر مخطئ، وعن ذلك يذكر عالم الأنثروبولوجيا، العلم المتخصص في دراسة السلوك الإنساني، الإسباني بابلو هيريروس، في كتابه (الذكاء العاطفي للحيوانات)، أمثلة دالة على أن الانفصال بين الحيوانات وشريكها الإنسان وفقدانها له يسبب لها معاناة خاصة، ويجعلها تشعر بالخسارة الشديدة، والصعوبة البالغة في تحمل الفراق، ويجعلها تتوقف في أحيان كثيرة عن الأكل، وتصبح ضعيفة ضعفا يجعلها غير قادرة على التحرك، ويقودها إلى الانتحار، أو الموت البطيء.

أختم بدعوة من يريد إدراك قيمة الحيوان عند الإنسان، ولزوم الرفق به، بل واحترام مشاعره، إلى أن يتأمل الحديث الصحيح عن الجمل، وفيه أن جملا لأنصاري رأَى النَّبيّ صلى الله عليه وسلَّم، فحنَّ وذرِفت عيناه، فأتاه فمسَح ذِفراه، أي خلف أذنيه، فسكت، ثم قال من ربّ هذا الجمل، لمن هذا الجمل؟، ثم نصح صاحبه بقوله: «أفلا تتَّقي الله في هذه البهيمة الَّتي ملَّكك الله إيَّاها، فإنَّه شكَا إليَّ أنَّك تُجيعُه وتُدئِبُه»، والحديث عندي مفتاح أصيل لما يقوم به علماء النفس والمجتمع ومنذ أكثر من خمسة عقود، من محاولات لكشف النقاب عن التفاعل العلائقي بين الإنسان والحيوانات من حوله، ولمحمد أقول لا تترك هوايتك، وجهز مزرعتك، ولك من والديك، ومحبيك قطيع غزلان.