له ديوان شعر تظهر فيه الأصالة، أما شُهرة هذا الشاعر التي لم تفض في ذكره المصادر، فهو بات ساجي الطرف، حين رددها المغنون في أزمان متعاقبة، وشدا بها الشادون الذين لمسوا فيها كل ما يستثير الشجن، ويوافق شروط الغناء الجميل، ورسول أشواقهم وأشجانهم، لتصبح نجوى المحبة وباعث بوحهم، ومهد لوعتهم ومعاناتهم، ويضيء بها ليل الصحراء الحالك، وتتألق بها نجماته الساحرة الحانية، وتمتلئ بها مجالس الحيارى والسهارى.
لن أسهب في القول، ولن أزيدكم شوقا لمعرفته، فكثيرون لا يعرفون عن الشاعر العربي «فتح الله بن النحاس» صاحب هذه القصيدة الجميلة، التي تفرد بها صوته الشعري في القرن السابع عشر، وكأنه وتر يبحث عن ضوء، ونجم يفتقد مداره. فالإحساس لديه بالغربة، كما أن التفات الشاعر لما حوله يعيد إليه طرفه المرتد حسرة كي لا يوشك أن تملأه الدموع. عندما نعود لمناقشة قصيدة ابن النحاس نجدها تنتسب لموروث الشعر العربي في فن الغزل والنسيب، وتؤكد انتماءها لقصيدة العذريين، وشعراء البادية العشاق الذين اتكؤوا على تقاليد البادية التي توجب احترام المرأة وتوقيرها، والتزموا قيم الفروسية العربية وأخلاقها، فلن تجد كلمة نابية، أو معنى مبتذلا، أو صياغة هابطة، إنما تجد في صياغة القصيدة نفساً شعريا أصيلا ومروءة وعزة نفس وإباء لا يتناقض مع انكسار الفارس وخضوعه بين يدي محبوبته. هذا أمر وذاك أمر، والفارس المتجبر في موقف الصدام والنزال، هو نفسه المتلمس لرضا الحبيب وصفحه في مواقف المناجاة وخطاب القلوب للقلوب. وأشار القدماء في معرض حديثهم عن حائية ابن النحاس، إلى قافيتها غير المألوفة ذات الرنين المبحوح، وإلى وقعها في السمع، مع التفات ذكي، ينم عن بصيرة بموسيقى اللغة، وظلال الكلمات وإيحاءات الحروف، وتكامل التأثير بالفكرة والصورة والإيقاع والجرس والبديع، مما نجد مثالا له ونموذجا جميلا في قصيدة ابن النحاس، التي أدعوكم للبحث عنها لتذوق عذوبة وجماليات قصيدة شاعر.