مصليات النساء عندنا تحتاج إلى إعادة النظر لمخالفتها ما كان في عهد النبوة، ومناقضتها لما ورد في أفضلية صفوف النساء -الأخيرة- وما هو معمول به في المسجد الحرام، فهي -بوضعها الراهن- معزولة عن المساجد، الأمر الذي قد يتسبب في حرمان النساء من الصلاة في حالات معينة، والأمر الآخر يكمن في بعض المحاذير والمخاطر على النساء، علاوة على مخالفة كثير من هذه المصليات لأصول السلامة.

الذي قادني إلى هذا الموضوع هو العديد من المواقف على المستوى الشخصي. لأكثر من مرة أتوقف أنا وأهلي لأداء الصلاة في بيوت الله، إلا أنني أعود لأجدهم في السيارة دون أن يصلوا والسبب يتراوح بين أمرين، إما لأن المصلى مغلق، أو لأنه مفتوح، لكنه مخيف بسبب انعزاله وخلوه من النساء، مما يضطرني لإدخالهم إلى مصلى الرجال في حال كان مصلى النساء مغلقا أو أدخل معهم مصلاهم في حال كونه مهجورا، لا سيما حين يكون وقت الصلاة ضيقا.

سألت بعض الأقارب والأصدقاء لعل تجاربهم مختلفة مع نسائهم، غير أنني وجدت أن الحال متشابه تماما، خاصة حين تكون الأسرة صغيرة مكونة من امرأة تخشى الدخول لوحدها، الأمر الذي يؤكد أن غالب النساء يشتركن في الخوف من وحشة مصلياتهن المعزولة وشبه الخالية من المصليات.

بحثت في الأحكام الشرعية والنصوص الواردة فلم أجد دليلا واحدا على عزل النساء في المصليات، بل إن الروايات تؤكد أنه في العهد النبوي كانت صلاة جماعة النساء في نفس مسجده -عليه الصلاة والسلام- خلف جماعة الرجال مباشرة، دون أن يكون هناك جدران ولا حواجز، ولم يثبت عن خير البشرية أنه بنى جدارا واحدا في مسجده مخصصا للنساء، الأمر الذي يدعو للتساؤل هل نحن أغْيَرُ من رسول الله، عليه أجل الصلاة والتسليم؟

لقد ورد عند مسلم أن خير صفوف الرجال أولها، وخير صفوف النساء آخرها، وهو دليل جلي على اصطفاف الرجال والنساء دون حاجز، وهو المعمول به في الحرم الشريف.

وفي جانب السلامة والأمن فإن أغلب مصليات النساء تقع في غرف لا توجد في أغلبها نوافذ، ومنها ما هو في الدور الأعلى، مما يصعب على النساء الخروج في حالة انطفاء الكهرباء أو عند الطوارئ، خاصة الحوامل منهن أو اللاتي بمعيتهن أطفال وقد يتسبب في تدافعهن والسقوط من الدرج. كلنا يعلم مخاوف أغلب النساء من أصغر الحشرات حتى مع وجود رجالهن، فكيف يكون حالهن في غرف معزولة ومهجورة أغلب الأوقات. وعلى احتمال أن المرأة أدت صلاتها لوحدها في المصلى المعزول عن الرجال فإنها قد تؤديها دون خشوع وطمأنينة، والأخير ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا به.

إن فلسفة عزل الجنسين في كل مناحي الحياة هي جزء من نزعة الغلو والتشدد بدعوى تجنب الاختلاط، بالغنا في حدّية العزل إلى أن أوصلناها إلى أماكن العبادة كحالة شاذة تفردنا بها نحن عن سائر خليقة الله، منذ صدر الإسلام الأول إلى يومنا هذا، بشهادة التاريخ المقروء والواقع المشهود اليوم في كافة الأقطار الإسلامية. هذا الأمر يجعلنا نؤكد -ضمنيا- أمام البشرية أن شبابنا ونساءنا تحت مستوى الثقة حتى في بيوت الله.