يستند الكثير من تطلعاتنا في تحقيق خططنا الإستراتيجية المستقبلية وآمالنا التنموية التي نترقبها ونسعى لبلورتها، إلى منجزات ملموسة؛ إلى أبنائنا من الشباب/‏ت الذين يمثلون عدة المستقبل الذي به نؤسس القواعد وعليه نبني الصرح الوطني، وهم السلاح الذي به ندافع عن الوطن، وهم القيمة والمنجز الذي نزهو به ونفتخر، ولذا فإنهم يستحقون كل ما يبذل نحوهم من جهود وما يخصص لهم من نفقات وميزانيات، تستهدف الارتقاء بمستوى أدائهم وتمكينهم في المجتمع.

يشير تقرير الهيئة العامة للإحصاء الخاص بتنمية الشباب السعودي للعام 2019، إلى أن نسبة الشباب السعودي في الفئة العمرية من (15-34 سنة) تمثل 36.7 % من جملة السكان السعوديين، بما يعني أن الشباب يمثلون أكثر من ثلث السكان، وذلك يعني ثروة وطنية تستحق الاستثمار فيها وتنميتها، بما يتناسب مع حجم وجودها وبما يخدم تطلعاتنا فيها، ومن البديهي أن يكون الاستثمار فيهم بجودة التعليم والتدريب والتوظيف هو الأساس الذي نستند إليه، وبه يكون التمكين، لنحصد استثمارنا ونقطف ثمار جهود بُذلت ونفقات سُخرت ليكونوا ذراع الوطن وعدته الواعدة.

تحسب قوة العمل علمياً -عندنا- من سن (15-59) باعتبار أن سن التقاعد 60 سنة، وبالاطلاع على نسبة المشتغلين من الشباب منهم، يمكننا الوقوف على مدى مساهمة شبابنا في سوق العمل والذي يعكس مستوى تمكينهم المأمول، ولذا فإن الشباب المستهدفين للنقاش، هم من المشتغلين في الفئة العمرية من ( 15-39 سنة).

تشير البيانات الإحصائية إلى أن هناك نسبة لا بأس بها من شبابنا يعملون وهم في السن المفترضة للدراسة النظامية في المدارس، بل وإنهم يمثلون النسبة الأكبر من المشتغلين في السوق، إذ ترتفع نسبة المشتغلين من فئة السن (15-19 سنة) من المواطنين إلى 98.48 % من جملة المشتغلين، وتنخفض النسبة إلى 61.84 % للفئة العمرية من (20-24 سنة)، وعلى الرغم من أهمية مشاركة المواطنين في سوق العمل، إلا أن مشاركتهم في تلك السن المبكرة تشير إلى أن هناك عددا غير قليل لم يكملوا تعليمهم بالشكل المطلوب، سواء للمرحلة الثانوية أو ما بعدها، كالدبلومات في الكليات دون الجامعية أو للمرحلة الجامعية، وهذا يُعد من الأمور المؤسفة، لأن التعليم الثانوي أصبح اليوم في كثير من دول العالم من التعليم النظامي الإلزامي للجميع.

وتتضاءل نسبة مساهمة الشباب في سوق العمل وبشكل ملحوظ، مع الفئة المتضمنة مخرجات الجامعات أو حتى الكليات المهنية أو التقنية، وهي الفئة المتوقع توظيفها، إذ تنخفض مشاركة الشباب السعودي في الفئة العمرية من (25-29 سنة) إلى 36.92% من جملة المشتغلين في السوق، وتزيد انخفاضاً في الفئة التالية لها من (30-34 سنة) لتصبح نسبتهم 30.86 % فقط من جملة المشتغلين، وتستمر النسبة في الانخفاض إلى 30.84 % للفئة العمرية من (35-39 سنة)، بل وتتضاءل النسب إلى ما دون ذلك بكثير للفئات العمرية اللاحقة من 40 سنة وما فوق! ومما يجدر التنويه إليه أن هؤلاء يمثلون المشتغلين في قطاعي التأمينات الاجتماعية والخدمة المدنية، بمعنى أنهم يمثلون جميع المشتغلين من المواطنين في تلك الفئات العمرية من الشباب.

وقد تضمن التقرير جانباً هاماً عن طبيعة التحديات التي تواجه شبابنا من أصحاب المشاريع الخاصة أثناء تطوير مشاريعهم، والتي تتوزع ما بين الحاجة للدعم المالي والتمويل، وما بين طبيعة الأنظمة واللوائح الحكومية، وبين المنافسة المحلية والأجنبية، وتوفير العمالة المناسبة والإمكانات الفنية وغيرها، إذ ترتفع نسبة من يحتاجون منهم للدعم والتطوير إلى 96 %، ومن يحتاجون للدعم المالي 87.74 %، ومن يحتاج إلى التوجيه والإرشاد 4.97 %، والدعم الفني 3.46 %.

عندما تقوم الجهات المعنية بإجراء الإحصاءات المختلفة، والدراسات المدعمة بالبيانات الرقمية التي تتطلب دراسات ميدانية ومسحا بالعينة أو بالاستبانات الإلكترونية وغيرها من الوسائل العلمية، لا يكون الهدف إجراء عمل روتيني أو استعراض أرقام وبيانات مبهمة؛ إنما تستهدف خدمة الباحثين وصناع القرار المعنيين بالمؤسسات القائمة على التخطيط والتنمية وغيرها من المؤسسات ذات الصلة، للاستعانة بها في دقة توجيه مخططاتهم ورؤيتهم التنموية والاقتصادية، حول ما تحتاجه تلك الفئة وغيرها من شرائح المجتمع، من متطلبات وما تواجهه من تحديات، لتُسخر لها الخطط المناسبة وتوضع الميزانيات الكافية، وتُعد لها الإجراءات والآليات الملائمة لمعالجة تحدياتها وتوفير متطلباتها المختلفة، وذلك تبعاً للظروف القائمة والموارد المتاحة.

نحتاج إلى حصر جميع الدراسات والبيانات الإحصائية المعنية بالتنمية وما يتعلق بها من متطلبات وتحديات، ليتم تصنيفها في ملف أو مخطط تنموي موحد وتحت مظلة مؤسسية واحدة أو مجلس متخصص، تنحصر مسؤولياته في معالجة مضمون هذا الملف بمختلف موضوعاته، بحيث تُستدرك المتطلبات وتعالج الثغرات بعد رصدها ومتابعة تصحيحها مؤسسياً وإجرائياً، بما يخدم تذليل عقباتها ميدانياً، ولنستفيد من شبابنا وجميع مقدراتنا ونستثمر الجهود فيما يعود على الوطن والمواطنين بالنفع والفائدة.