أشاد المتابعون، في كل مكان، بالنجاح الباهر لموسم حج هذا العام، وأنه خير إضافة إلى سجل إنجازات المملكة، في هذه الظروف (الكورونية) العجيبة، وتمكنت كل الجهات المعنية بأمور الحج، من أداء واجبها تجاه حجاج بيت الله الحرام من 160 جنسية، ويسرت عليهم أداء الشعيرة بكل يسر وسهولة، مع تطبيق تام لجميع الإجراءات الوقائية والاحترازية، وفقاً لأرقى المعايير العالمية، ويشهد على هذا كل من تابع وشاهد الانسيابية والسلاسة في أداء الحجاج لمناسكهم، والكفاءة العالية، في كل شيء.

تجربة حج هذا العام، والدرس الذي خضناه، والنجاح الذي حققناه يجعلني أؤكد على ضرورة تكرار طريقة هذا الحج، في الموسم المقبل، وكل المواسم المستقبلية، وتكرار ذلك كذلك في مواسم العمرة المستقبلية؛ لا أقصد أن يكون التعداد كما تم في هذا العام، ولكني أقصد ألا يتم النسك، ولا تتم الزيارة إلا وفق الطاقة الاستيعابية الآنية بالتمام، أو أقل، أما الزيادة فلا..

سأكتفي هنا بمثال واحد، وهو عن الطاقة الاستيعابية للمطاف، إذ هو الجامع الأكبر للمعتمرين والحجاج، فقد كان محدودا للغاية، وضاعفته التوسعات السعودية المباركة؛ ففي سنة 1377 أزيلت المقامات الثلاثة، وتأجلت إزالة المقام الشافعي لكونه فوق بيت بئر زمزم، ثم أزيل سنة 1383، وتم عمل قبو لبئر زمزم في الجهة الشرقية للحرم، وأصبح المطاف يستوعب 14 ألف شخص دفعة واحدة، وفي سنة 1387 أزيلت الزوائد الموجودة حول مقام سيدنا إبراهيم، ووضع المقام داخل غطاء كريستالي البلوري، وفي سنة 1399 ألغيت الحصاوي والمشايات، وأزيل باب بني شيبة، ونقل مدخل قبو بئر زمزم لموقع أبعد، وتم تبليط أرض المطاف كاملا، وأصبح المطاف يستوعب 28 ألف شخص دفعة واحدة، وفي عام 1424 تمت تغطية مداخل قبو زمزم، وتم مد المطاف، وصار يستوعب بملحقاته 48 ألف طائف في الساعة، وفي عام 1432 أزيل مبنى التوسعات السابقة وما قبلها، لصالح صحن المطاف، ووصل الاستيعاب إلى 107 آلاف طائف..

في مرحلة كورونا وما بعدها، يحتاج المعتمر والطائف والزائر والحاج أن يستمتع ويستلذ بالعبادة بشكل عام، وبالمسجد الحرام بشكل خاص، وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا بخطة إلزامية للتفويج، وسماح للحشود بدخول منظم وخروج محدد، بحسب الطاقة الاستيعابية الآنية، مع التأكد من سلامة صحة كل داخل، وتحديد مسارات للناس، ومنع حدوث أي ازدحام، مع التفكير بفرض التسجيل المسبق للقاصدين، وغير ذلك من أمور تكفل للناس تذوق التعبد، ولا يكون ذلك للطواف دون السعي، أو دون زيارة المسجد النبوي، أو الحج بأكمله؛ فالوصول لحلم 30 مليون معتمر، و5 ملايين حاج سنويا، يحتاج تحقيقُه إتمامَه بنفس مستوى تيسير وتنظيم هذا العام، خطوة بخطوة، وبحمد الله لدينا من الخبرات السعودية المتراكمة ما يمكننا من أن نساعد غيرنا على التلذذ بالطاعات، وأن نرسخ في أذهانهم أن الأجر على قدر الانتقاع، وليس على قدر التعب؛ يقول الشيخ ابن تيمية، في الجزء 25 من مجموع الفتاوى: «يحسب كثيرٌ من الجُهَّال أنَّ الأجر على قدر المشقة.. لا.. الأجر على قدر منفعة العمل ومصلحته وفائدته».