قبل أكثر من عقد ونصف وأنا أحاول جمع ما أستطيع الوصول إليه من أدبيات الجماعات العاملة ضمن إطار الفكرة الإسلامية في السعودية، سواءً أكان توجها دعويًا صرفًا أو علميًا أو اجتماعيًا أو سياسيًا، على أمل المساهمة في تأسيس مركز يعنى بدراسة ظاهرة الإسلام السياسي في السعودية، والذي يبدو أن ما انتهى منها هو جولة واحدة أو جولتان فقط. ومن نافلة القول -وبفضل حصار كورونا- أني أنجزت عملًا كنت أؤجله مرة بعد مرة، تحت عنوان «نقد القول في الصحوة» راجعت خلاله كثيرا مما كتب عن (الصحوة السعودية)، سواء في المقالات أو الكتب، وحتى بعض ما قيل في البرامج الفضائية عبر اللقاءات أو الوثائقيات، والتي يتضح فيها حشد هائل من الأخطاء، والخلط الكبير في الأسماء والتواريخ والأماكن والأحداث، والتي يمكن لأي سعودي غير مهتم أن يرشدك للصواب فيها بكل بساطة، ويتضح لكل مهتم أن ما كتب عن الصحوة السعودية لم يلامس العمق المطلوب حتى الآن، خلا دراسة ستيفان لاكروا (زمن الصحوة) على ما فيها من ملاحظات لعل أبرزها اعتماده على الصحويين أكثر من غيرهم في كتابة أطروحته، بالإضافة إلى أوراق عمل متفرقة قدمت لبعض المؤتمرات والندوات، اتسمت بالجدية والرصانة، أما البقية فهي كتابات نقدية جميلة، أرخت لكثير من المواقف والأحداث، لكنها لا ترتقي إلى الدراسة الملتزمة بالشرط البحثي الصارم.

وعطفًا على مقالي (مسمى الصحوة ولحظتها الزمانية)، والذي حاولت فيه مقاربة فكرتين هما: المسمى، كيف أطلق؟ وماذا يعني؟ واللحظة الزمانية التي هيأت إظهار الصحوة إلى السطح، أعرض فيما يلي بعض الأفكار، لعلها تساعد في دراسة أدق لتاريخ الصحوة في السعودية، وتكونها وتكويناتها وخصائصها وآثارها:

أولًا: المعلومات حول هذا الموضوع في الغالب ظنية، ولا يوجد لها مصدر أو مرجع معتمد موثوق، لعدم وجود وثائق من أي نوع، خلا الأدبيات الصحوية المتمثلة في الكاسيتات وما نشروه من كتب وفتاوى، كما أن غالب المعلومات حول التنظيم في السعودية لم تكتب من قبل أهلها الذين ساهموا في إنشاء وتكوين هذه الجماعات، وهم بالضرورة لن يقولوا الحقيقة لأنها بمثابة إدانة لهم، وتكذيب لكثير من أحاديثهم النافية لوجود التنظيم.

ثانيًا: غالبًا ما يكون استقاء المعلومات من خلال أحاديث بعض رموز التيار، والتقاط النتف البسيطة من الإشارات خلال الكلام الذي يؤكد أو ينفي بعض المعلومات التي لدينا، وبالنهاية لن تصل الكثير من المعلومات إلى درجة اليقين، ما لم يتكلم رموز تلك التنظيمات حول التأسيس والنشأة والتطور وظروفها، ولهذا يقترح أثناء الكتابة حول الصحوة: الحرص على تحقيق المعلومة وتدقيقها، وفحصها عبر تمريرها على المعلومات الأخرى، ومعرفة الأصوب، وترشيح الزيادة أو النقص في المعلومة، عبر طرق البحث العلمي المعروفة، وهذا يفيد في استنتاج أوجه أكمل للحدث أو الرواية أو القصة، واكتشاف الكذب فيها، أو تعمد إخفاء بعض الجوانب منها، وهذا ما يقوم به غالبًا رموز وأفراد في السرورية والإخوانية السعودية.

ثالثًا: يَفترِضُ بعض المهتمين بالحراكَين الاجتماعي والثقافي في السعودية موت الصحوة أو تلاشيها، وهذا افتراض متعجل، فالصحوة فكرة وحركة اجتماعية ذات صبغة سياسية تتستر بزي إسلامي، وطابع ديني ظاهره الدعوة إلى الله وباطنه السعي نحو امتلاك السلطة بأية طريقة كانت؛ حتى ولو بالانضواء تحت لواء السلطة القائمة ذاتها، وغالب الحركات المتصفة بهذا الوصف لها القدرة على التلون والتكيف بشكل مذهل، ولها خاصية حيوية لافتة، وهي البقاء تحت أي ظرف أو ضغط، كما أن من الخصائص المهمة لهذه الحركات والتي تساعدها على البقاء أن أعمالها وأهدافها ذات أمد طويل، فلا يؤثر فيها الإيقاف أو المنع أو الحظر أو غيرها من الإجراءات.

رابعًا: يقترح لصناعة تمهيد، وتوطئة معرفية لدراسة تاريخ الصحوة السعودية وتكوينها وأثرها، دراسة المواضيع التالية:

نشوء مصطلح الإسلام السياسي، وارتباطه بمسألة الخلافة.

نشأة الجماعة الأم، ونواتها الأولى من عام 1921، وليس من بداية التأسيس في مارس 1928، وحتى وفاة المرشد الثالث، أو الرابع عمر التلمساني (1986) إذا اعتبرنا حلمي عبد المجيد (المرشد السري) مرشدًا ثالثًا.

تكوّن جماعة الإخوان في سورية، وانشقاقاتها.

أثر مقاومة التيارات اليسارية في السعودية وكيف قاومتها.

علاقة الرئيس جمال عبد الناصر بالإخوان، وعلاقته بالسعودية.

آثار ثورة اليمن عام 1948، أو ما يعرف بالانقلاب الدستوري، ودور الإخوان المخرب فيها، وفكرة إنشاء دولة إخوانية في اليمن، على العلاقة بين الإخوان والملك عبد العزيز ومصر الملكية.

تتبع جولة حسن الهضيبي في العالم العربي في عام 1954، والتي استمرت لعدة أشهر.

بدايات تأسيس التعليم العالي في السعودية.

نتائج وآثار الاجتماع العام للجماعة الذي تم في مكة عام 1973، برئاسة حسن الهضيبي.

خامسًا: يقترح دراسة جذور الصحوة الممتدة ابتداءً من أواسط الثلاثينيات الميلادية، حيث تشير بعض المصادر والمراجع إلى أن بداية احتكاك جماعة الإخوان المسلمين مع المجتمع السعودي كان في الثلث الأخير من الثلاثينيات الميلادية، إذ عيّن حسن البنا مراسلًا للجماعة من أهل المدينة، ليكون همزة وصل بين الجماعة وأعيان الحجاز في مكة والمدينة وجدة، كما ساهم استقدام المدرسين المصريين في تلك الفترة، بالإضافة إلى العناصر المهنية المتخصصة في دخول كوادر إخوانية كثيرة إلى السعودية، مما مهد مبكرًا للعمل التنظيمي للجماعة داخل البلد، وللحديث بقية.