في عام 2017، أطلقت الأمم المتحدة خطة عمل عالمية لدعم القيادات الدينية والمؤسسات الدينية الفاعلة، لمنع الأعمال التي قد تؤدي إلى ارتكاب جرائم وحشية، انطلاقًا من ضرورة تحسين عملية إشراك المؤسسات في مكافحة خطاب الكراهية والتحريض على العنف، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي مساحةً للحوار البناء، وبيان الطرق الفعلية والمحتملة المتاحة للقيادات الدينية، بهدف تقديم رؤى بديلة وإشراك أتباعهم في صياغة خطاب يتسم بالاحترام، ويهتم بالقيم الدينية والتراث الثقافي والكرامة الإنسانية والتنمية المستدامة، وذلك لأهمية دور التراث الثقافي والقيم الدينية كمرتكزات جديدة لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، مع التركيز على ضرورة معالجة الأنظمة التعليمية التي تقدم خطابات وروايات مغلوطة، تصور الأديان والثقافات ونشأة الكون أو التصورات المختلفة للكون على أنها متضاربة ولا يمكن التوفيق بينها.
لذا، أضحى الشمول الديني وعدم التمييز في التعليم من أولويات صناع السياسات، وكذلك المؤسسات الدينية، وأصبح تعزيز التفكير النقدي ورسم الصور النمطية الإيجابية عن «الآخر» في المناهج المدرسية أداة رئيسة لمنع النزاعات وتعزيز التماسك الاجتماعي.
من هذا المنطلق أصبح تعزيز المواطنة العالمية واحداً من التحديات الأساسية التي تواجه المجتمعات والمؤسسات، حيث بات الوعي العالمي بالقضايا الدولية والتفكير النقدي فيها أكثر أهمية من أي وقت مضى، وتعزيز المواطنة العالمية يقضي بضمان اكتساب جميع المتعلمين للمعارف والمهارات اللازمة لتعزيز التنمية المستدامة بحلول عام 2030.
المواطنة العالمية كما يعرفها البعض هي مصطلح مستحدث يصف إنسانًا يستطيع التفاعل على مستوى عالمي مع أي شخص مهما اختلفت ثقافته وموطنه، وقد انتشر استعمال المصطلح مع تزايد الوعي حول العولمة وانتقلت هوية الإنسان من منظور وطني بحت، إلى مفهوم وطني واسع، حيث تشير المواطنة العالمية إلى الشعور بالانتماء إلى المجتمع الأوسع والإنسانية المشتركة، ويشدد الترابط السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والترابط بين المستوى المحلي والوطني والعالمي.
ومنتدى القيم الدينية لقمة العشرين الذي تحتضنه مدينة الرياض، والذي يجد كل عناية من قيادتنا الرشيدة، محل اهتمام خاص من سمو ولي العهد باني الرؤية والمتفاعل مع حوار الحضارات، والساعي بكل ما أوتي لتقديم المنجز الحضاري الفكري السعودي المستنير للعالم ككل قيادات ومجتمعات كأجمل ما يكون.
بدأت فعاليات المنتدى الثلاثاء 13 أكتوبر وتستمر حتى الجمعة 17 أكتوبر القادم، كإحدى أفضل المبادرات واللقاءات التي من خلالها يتم الحوار برقي لأجل البحث عن سلام روحي ينعكس على أفعالنا وأقوالنا وممارستنا مع بعض، من منطلق أن قمة العشرين ليست معنية بالسياسة والاقتصاد فقط، بل تتعداه لمناشط عدة تسعى من خلالها لإثبات وجودها القوي القادر على ضبط الأمور وعدم الانجراف خلف مؤامرات تسيء للأديان والثقافات، وتقودنا إلى أتونات نحن في غنى عنها.
يقوم المنتدى في برنامجه على التركيز على عدد من القضايا العالمية في إطار جدول أعمال قمة العشرين الحالية، عبر ثلاثة محاور رئيسية هي: تمكين الأفراد من الحصول على حقوقهم في العيش والعمل والنجاح، وحماية الأرض بتعزيز الجهود لحماية الموارد العالمية «تغير المناخ» وإيجاد آفاق جديدة للاستفادة من فوائد الابتكار والتطور التقني، كما تعالج حلقات نقاش المنتدى القضايا المطروحة في أهداف التنمية المستدامة التي تبنتها الأمم المتحدة عام 2015.
ويشارك في جلسات المنتدى حوالي (130) من الشخصيات المعنية بالحوار بين أتباع الأديان والثقافات، تساهم بوضع استراتيجيات لحلحلة الأزمات الدولية، وتهدف الجلسات العامة للمنتدى والحلقات النقاشية المصاحبة إلى الخروج بعدد من توصيات السياسات وتقديمها إلى قادة مجموعة العشرين، للنظر في رؤى المؤسسات والقيادات الدينية حول كيفية التعامل مع التحديات العالمية، وللوصول إلى هذه الغاية يستعد المنتدى لمناقشة عدد من القضايا.
يجدر بنا قبل الختام الإشادة بالدور الحضاري لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات كأحد أهم المراكز العالمية المتخصصة في هذا المجال من خلال فعالياته وبرامجه الممتدة، والتي تتشارك مع المنتدى في أهدافه وغاياته، ويشرف على هذا المركز ويساعد في إبرازه فيصل بن معمر رجل الحوار والقادر على تقديم الأفضل له، وتيسير دفته بما يحقق الهدف الأسمى لهذه الجهود الجبارة.