من أهم أدوات رؤية المملكة 2030 التي تعتمد عليها في إنجاح أهدافها، إصلاحُ التعليم ليكون منتِجا، بدلا من أن يكون تقليديا يُخرِّجُ كَتَبَة، وموظفين عموميين.

لا مراء في أن الإنسان المؤهل، علميا ومهنيا، هو عماد أي خطط تنموية حقيقية تستهدف النهوض بالاقتصاد الوطني، ليكون اقتصادا صناعيا، بدلا من أن يظل اقتصادا ريعيا، عماده مادة أولية، يعتريها ما يعتري المصادر الريعية، من النضوب، والاستغناء، وإيجاد البديل، وتذبذب الطلب، إلخ، ما يصاحب الاقتصاد الريعي من مشاكل لا عد ولا حصر.

لقد اتجهت الرؤية المباركة، بالإضافة إلى طرح برامج خاصة بالرؤية في موازنات الجهات الحكومية، واستحداث إدارات خاصة بالرؤية في العديد من الجهات الحكومية، وإلى قرارات إعادة هيكلة بعض القطاعات والنشاطات، نحو إعادة هيكلة التعليم وإصلاحه، لتتواءم مخرجاته مع متطلبات السوق، أو لنقل: مع متطلبات الاقتصاد الوطني بشكل عام.


قد يكون العيب الذي لازم الخطط الخمسية السابقة للمملكة - من وجهة نظري - يكمن في تركيزها على ضخ الإنفاق الحكومي الضخم، وبالذات تجاه مشروعات البنية التحتية، دون أن يصاحب ذلك، إن لم يسبقه، تأهيل المواطن القادر على حمل أعبائها، خلال التنفيذ وبعده.

يمكن القول إننا لن نتوقع نجاحا لأي خطط تستهدف تحقيق الهدف الاستراتيجي للرؤية، المتمثل في التخلص من الاعتماد على النفط، كمورد وحيد للبلاد، ما لم يكن عمادها وعدتها وأساسها مواطنا مؤهلا، علميا ومهنيا، لمسك خطامها، وتجاوز الصعاب التي قد تعتريها.

ليس عيبا أن نعترف بأن تعليمنا، بشقيه العام والعالي، يقوم في غالبه على 3 أسس، هي أبعد ما تكون عن مرتكزات التعليم الحديث، وهي تلقين المعلومة، ثم حفظها وتخزينها، ثم استذكارها وقت الامتحان لأجل النجاح فقط، ليكون ذلك آخر عهد الطالب بالمادة.

والمؤسف أن آلية التلقين والحفظ والاستذكار اللحظي لم تعد تقتصر على المواد النظرية فحسب، بل تعدتْها لتشمل حتى المواد العلمية والطبيعية، إذ نجد كثيرا من طلبتها يعمدون إلى حفظ القوانين الرياضية، والمعادلات العلمية، ليُطبقوها على ما يُعرض عليهم من مسائل رياضية وعلمية في ورقة الامتحان، حتى إن بعضهم لو تغيرت عليه أرقام المعادلات التي تدرب على حلها، لضل طريقه وأخفق، لأنه مجرد حافظ.

إن أي حقيقي إصلاح التعليم ينبغي أن يبدأ، في تقديري، بتطوير منهجية التعليم، من منهجية تعتمد اعتمادا شبه كليٍّ على تلقين المعلومة وحفظها، إلى منهجية تعتمد على مهارات التفكير في المعلومة، وتحليلها، وتفسيرها.

إن التعليم الحديث الذي قفز بالعالم المتقدم اليوم إلى ذروة سنام الحضارة المعاصرة، يعتمد على التفكير في المعلومة بدلا من حفظها. والتفكير في المعلومة ليس شرطا أن يُسبق بحفظها، خاصة في عصرنا الحاضر، الذي يستطيع فيه الطالب أن يستعرض المعلومة من لوح إلكتروني صغير يضعه في جيبه. وبعد استحضار المعلومة، آليا كان أم ذهنيا، تبدأ عملية التفكير فيها، كالتفكير في العلاقة الداخلية التي تنتظم مكوناتها. وهنا يحضر دور المعلم والمنهج الحديثين.

إن من أعوص المشاكل التي تحيط بتعليمنا أن المعلم والمنهج كليهما غير مصممين لتخريج طلبة مؤهلين، علميا ومهنيا. يضاف إلى ذلك، بيئة مدرسية، يمكن القول إنها، خاصة في التعليم العام، أصبحت طاردة بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى. لنجيل النظر في تجربة بعض دول آسيا، ممن يطلق عليها وصف «النمور الآسيوية»، كتايوان، وسنغافورة، وهونج كونج، وكوريا الجنوبية، وسنجد أنها انطلقت من إصلاح التعليم، بمواءمة مخرجاته مع متطلبات السوق العصري: كماً ونوعاً.

وثمة مشكلة أخرى تعتري تعليمنا، وهي أننا نتبع مبدأ «التعليم للتعليم لذاته»، بينما يرتبط التعليم في المجتمعات المتقدمة بحاجات السوق والاقتصاد. ومن هنا، فإن جامعاتنا تمتلئ بالتخصصات النظرية التي لا علاقة لها بسوق العمل، وبتخصصات فنية وتطبيقية وعلمية، لم يُدرب الطالب على ممارستها على نحو كاف. فيستقطب العمل الحكومي معظم الخريجين، في وظائف، لا توائم في الغالب بين تخصص الخريج، ونوعية العمل الذي سيمارسه.

تدني مستوى التعليم لدينا هو السبب الرئيس في البطالة، المُقنَّعة منها والظاهرة. وللأسف، عالجنا هذه البطالة بمسكنات مؤقتة لا تعالج المشكلة بجدية. ذلك أن علاج مشكلة البطالة لا يتم بمجرد إرغام القطاع الخاص على توظيف العدد الفائض من الخريجين، ثم اختراق النطاقات، والحصول على شهادات إتمام نسب السعودة، بل تعالَج بتعليم عصري متقدم، يؤهل الطالب، علميا وعمليا، ليكون مؤهلا للعمل في قطاع خاص قوي، لا ينتظر موازنة الحكومة متى وكيف تصدر، ليضع برامجه وخططه انطلاقا من برامجها.

ومما زاد الطين بلة أن مراكز ومؤسسات التدريب الفني، كالمؤسسة العامة للتعليم الفني والتقني، لم تكن بأحسن حالا من التعليم، إذ إن مخرجاتها ضعيفة للغاية، ولا تكاد ترقى إلى جزء مما هو مأمول منها، في ظل الميزانيات الضخمة التي تُرصد لها كل سنة مالية. ولذلك لا نزال نستقدم من يعملون في مهن بسيطة، كالسباكة والتمديدات الكهربائية، وما شابههما.