الشعر الشعبي هو ذلك النمط من الشعر الذي ينظم باللهجة العامية المحكية المتداولة بين الناس في منطقة معينة، حيث يستلهم الشاعر مفردات كلماته ومعانيها من واقع الحياة الشعبية اليومية العامة لمجتمعه، التي اعتاد أن يعيش تفاصيلها، ويتفاعل وجدانيا معها، بدلا من استخدام اللغة العربية الفصحى في النظم. ولأن الشعر الشعبي في بنيته يزخر بتوظيف المفردة الشعبية في محكياتها اليومية، بما هو تعبير عن حركة الحياة اليومية.

وحيث إن الشاعر الشعبي يتحدث باللهجة العامية للقوم من سكان منطقته أو بلده، ويقرض نظمه بها بدلا من الفصحى، معبرا بذلك عن لسان حالهم، وأسلوب حياتهم اليومية باللهجة العامية المتداولة كبديل عن اللغة العربية الفصحى، فإنه يمتاز بالتلقائية والسلاسة في النظم، وقوة التأثير في الوسط المتلقي، ولا سيما أن الشعراء الشعبيين المبدعين الذين اعتادوا نظمه إنما يُعبّرون عن حقيقة الحياة وطبيعتها، وجمالها وبساطتها، بكامل وجدانية حسهم المرهف في لحظة انثيال النظم.

والشعر الشعبي، بصفته من الفنون الأدبية الشعبية، شاع في الاستخدام، شعرا عموديا كان أم زهيريا أم عتابة أم نايلا، بسبب سهولة مخاطبته عامّة الناس، ومن خلال جنوحه نحو استخدام اللغة العربية في لهجاتها العامية، حيث حظي بهذا المنحى بقبول واسع بين جمهور المتلقين، فاحتل مكانة خاصة بين أنواع الشعر الأخرى، ولا سيما أنه لا يعدم استخدام قواعد وأصول الشعر العربي الفصيح في النظم.


امتاز بعض الشعراء الشعبيين المبدعين بقدرتهم العالية على نظم الشعر «العمودي والشعبي» معا بتلقائية سلسة، وانسيابية رشيقة، وحس مرهف، وبتناص مدهش في دس بعض المفردات الفصحى، حيث مكنتهم موهبتهم الفطرية من استنبات مرموزاتهم الشعرية المتنوعة في قريضهم الشعري في العتابة والزهيري والقصيد، من خلال اقتدارهم العجيب على التقاط المفردات التراثية الشعبية الدارجة، ومهاراتهم العالية في توظيفها بكل دلالاتها الايحائية، وتجلياتها المتدفقة، في نصوصهم الإبداعية ببلاغة عالية، تستفز وجدان المتلقين من أصحاب الذوق الرفيع من الجمهور، وتشدهم للتفاعل الذوقي الحي مع تلك المفردات بوجدانية عالية.

يأتي الشاعر المبدع أحمد علي السالم (أبو كوثر) في مقدمة أبرز الشعراء المعاصرين في ديرة ريف جنوب الموصل، الذين أبدعوا نصوصا شعرية رائعة في الفصحى والعامية، على حد سواء، والتي حظيت بتفاعل وقبول واسع في التلقي والتداول بين مختلف أوساط الجمهور في عموم الديرة.

ولعل بإمكان المتلقي أن يتلمس، على سبيل المثال، اقتدار الشاعر «أبو كوثر» العالي في توظيفه الخلاق للمفردة التراثية (مساريب) في نظمه الشعر بالعامية، لتعطي معاني راقية من مراداته من وراء توظيفه المبدع والبليغ لها في نص هذه العتابة، ناهيك عن رهافة حسه: افراگك فاج بكبودي مـــــــساريب

أو دمعي فوگ وجناتي مــــساريب

إرحلوا واسأل على حيهم مساريب

ٱلگـطا والطير لــــــو حـام ٱلضحى

وهكذا يلاحظ أن الشعر الشعبي قد أخذ ينتعش لسهولة نظمه، وسرعة هضمه، وتمثل مضمونه، وبات اليوم يحتل مكانة متميزة في النظم والإلقاء والتلقي في الوسط الشعبي العام، ويحظى بقبول وتداول واسع في المجالس والأمسيات الأدبية.