عدا لبنان التي لا تزال تعيش في عزلة عن الحياة البشرية، يضبطها إيقاع خطابات حسن نصر الله زعيم ميليشيا حزب الله الإرهابية الأهوج، والذي أكد أنه مصابٌ بالسعار، بعد أن خرج مهاجمًا المملكة برموزها وشعبها، واتهمها بأنها حولت اللبنانيين المقيمين على أراضيها إلى دروعٍ بشرية.
أعتقد أن الهجوم الذي شنه نصر الله على الرياض، نابعٌ من عدة عوامل، أولها: حجم الألم الذي يسكن في نفس هذا الشخص، نتيجة ثبات ضلوع حزبه المتطرف في كل أزمات المنطقة، وآخرها التأكيدات التي أعلنت عنها قيادة التحالف، والتي بُنيت على الثقة بمشاركة عناصر من هذا الحزب في الحرب اليمنية.
ثانيها: عدم قدرة الرجل على الخروج عن النص الإيراني، وتذبذب مواقفه المبنية على عملية الحوار التي تدور بين فينة وأخرى بين الرياض وطهران؛ بالإضافة إلى المفاوضات الدائرة بين إيران والمجموعة الدولية، للعودة للاتفاق النووي في فيينا، لا سيما أن الخلاف بات يأخذ منحى عميق بين الأطراف المتفاوضة، نتيجة رفض النظام الإيراني إدراج ملف صواريخه الباليستية ضمن ملف التفاوض الكبير.
هذا من الناحية الدولية أو الإقليمية. أما من الناحية الداخلية في لبنان، فيتضح أن نصر الله لا يزال حبيس تفاصيل تفجير مرفأ بيروت، الذي لا تزال تداعياته حاضرة، بدليل المعلومات القادمة من العاصمة الدنماركية أوسلو، المؤكدة لضلوع حزبه في استقبال وتخزين «النيترات» التي انفجرت في مرفأ بيروت، وخلفّت دمارا أحرق الحرث والنسل.
وفي هذا المشهد يبرز لنا كيف نسف حسن نصر الله في خطابه «المجنون»؛ رؤية حكومة بلاده التي عبّر عنها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في أعقاب مقاطعة دول الخليج لبيروت، حين عبروا عن ضرورة بناء علاقات طبيعية مع دول مجلس التعاون وعلى رأسها السعودية.
وأعتقد أن ارتفاع نبرة نصر الله ضد السعودية لا يمانعها الرئيس ميشال عون، الذي يتطابق كليًّا في المواقف السياسية مع حزب الله، كون الحزب يعتر الرئيس مظلةً للتحكم في البلاد، فيما وضع الرئيس الحزب بمثابة بوابة أوصلته لسدة الحكم بعد سنوات طويلة من الأحلام، وهذا ما جعل الطرف الشيعي في لبنان يتحكم بالطرف المسيحي، وقاد المحسوبون على التيار العوني مع الوقت لأن يتحولوا إلى رهينة بيد حزب الله الذي يسير في فلك المفاهيم الإيرانية التي يسوقها نصر الله ويُمليها على جميع الأطراف السياسية في لبنان.
على كل حال؛ بعد حفلة الردح التي رفع خلالها السيد سقف أحقاده؛ أتمنى أن تُقدم حكومات دول الخليج وأولها السعودية، على خطوة ترحيل الجالية اللبنانية، ليرى العالم كيف يمكن لسيد البندقية والسلاح في لبنان توفير حياة كريمة لهم، من خلال تحمّل مسؤوليتهم ومن ورائهم. وأنا على ثقة أن كثير من اللبنانيين يشاركوني الرأي، بأنه لا يُعنى بمصيرهم، توقف مصدر معيشتهم القادم من المملكة والخليج أم لم يتوقف.
والسؤال: هل يملك الحل البديل فيما لو عادت تلك الجموع إلى وطنها؟. حتمًا لا. لديّ اليقين بأن جميع الأحزاب السياسية في لبنان «مُسلحة»، أو على الأقل تملك الكثير لمواجهة حزب الله بالسلاح والقفز على التحاور مع هذا الحزب المتطرف، من منطلق المحافظة على كيان الدولة، وقطع الطريق أمام تأجيج الخلافات مع دول تعتبر مصدر دخل لمعيشة مئات الآلاف من اللبنانيين، وعلى هذا الأساس، فقد حان وقت إخراج السلاح من السراديب، لمواجهة هذا الجزء السرطاني المتوغل في جسد الدولة.
قد يرى أحد أن حديثي تحريضيّا بالشكل الصريح، وأقول نعم، وذلك من باب مقابلة الشيء بالشيء، أو مواجهة التحريض بالتحريض، وصولًا إلى مواجهة السلاح بالسلاح، لكتابة نهاية المشروع التخريبي الذي يمثله هذا الحزب وينخر في جسد الأمة.
إن الهالة الدينية والسياسية التي تحيط بحسن نصر الله زعيم ميليشيا حزب الله الإيراني، ووجود الأغبياء من بعض الشعوب، هي أبرز العوامل التي أعطت هذا الانسان أرضيةً تقوم عليها كل أشكال العداء والبغضاء والسوداوية التي تسكن بداخله للآخر؛ منذ أن باع ما يعرف بالوطنية التي تولد بداخل كل إنسان طبيعي، على حساب قضايا خارج حدود البلاد التي يتنفس هواها ويعيش تحت سمائها. أعي أن مواجهة هذا الوحش المتطرف صعبة ومكلفة للغاية، لكن هذا لا يمنع من انقيادي وراء خيالي، الذي أوصلني للتفكير بأن أفتح بـ«لو»، باب الشيطان.
فقد تمنيت أن يكون مجال النقاش مُتاحٌا بيني كإنسان، والشيطان كشيطان.
أجزم أنه سيكون أكثر شجاعةً، ومصداقية من جماعاتٍ أعرفها في لبنان، مثل الصهر جبران. والأخ سليل بيت فرنجية سليمان، الذي حمل قضية الوزير التافه واندثرت وذهب صاحبها إلى سلة مهملات التاريخ، وقال أمام العيان، «قدم لي استقالته ورفضت»، وكأنه رئيس للبنان، وهما الاثنان – أي الوزير والزعيم سليمان - خاضعان لزعيم «حارة حريكان»، الذي يتلقى الريال القادم من إيران، لتحويل أبناء البلاد إلى قطعان؛ من الزعران.
إن أقذر أنواع الوحوش البشرية، هي التي تعتمد على غباء نوع آخر من البشر. ونصر الله هكذا، يعتمد على فئة ترى أن الشر هو الطريق المُعبّد والوحيد للوصول إلى الخير. هؤلاء يسيطر عليهم الغباء.. وهو خاضع للشيطان الكامن بداخله.
سأتوقف هنا حتى لا أوغل بظلم الشيطان، ولا سلام على أبا هادي. والسلام عليكم.