فتح أبواب المدارس كليا، والعودة الى الدراسة الحضورية لجميع المراحل الدراسية، ابتداء من 23 يناير 2022، إحدى بشائر استنشاق الحياة من جديد، ومؤشر قوي على أننا خرجنا بفضل الله من عنق زجاجة الأزمة، وبلا شك أن هذا أمر مفرح جدا وإنجاز عظيم يحسب لنا كدولة ومجتمع، ولكن هذا لا يعني أن العمل على التخلص من آثار هذه الجائحة انتهى.. فما زال أمامنا الكثير، خاصة تجاه فئة مهمة من فئات المجتمع، التي ربما لم يكن التركيز على آثار الجائحة عليها بنفس القوة، التي ركزنا بها على ما كان أكثر أهمية في وقت سابق، لنصل إلى ما وصلنا له الآن من تعافٍ.
فئة الأطفال وخاصة أطفال مرحلة الطفولة المبكرة، الذين كان للحجر المنزلي في بداية الأزمة، ومن بعدها الإجراءات الاحترازية والتعليم عن بعد له أثره عليهم، هم من أقصدهم، فصغر سنهم الذي يحرمهم من فهم خطورة الوضع، مع اضطرارنا لحرمانهم من التواصل الحر، مع المحيط الخارجي خارج إطار الأسرة كان له آثاره السلبية عليهم، حيث إنه من المعروف أن الأطفال في هذه المرحلة من أعمارهم يكونون أكثر حساسية وتأثرا بالمتغيرات، خاصة أنها فترة تطور ونمو عقلي وجسدي، يكتسب الطفل من خلالها كثيرا من الأمور التي تعلمه كيف يتفاعل مع المحيط الخارجي، ويتعلم ألف باء تكوين العلاقات المجتمعية، مما يوسع مداركه ويبني أساسيات شخصيته.
تأخر الكلام.. الانطوائية.. السمنة.. التمرد.. العنف.. اضطرابات النوم.. الكوابيس.. القلق.. الخوف.. الوسوسة في لمس الأشياء والاقتراب من الغير.. إدمان الألعاب الإلكترونية والأجهزة الرقمية.. كلها وغيرها كثير الاضطرابات النفسية، التي يعاني منها جيل الكورونا، الذين تتراوح أعمارهم من سن مرحلة رياض الأطفال إلى سن العاشرة تقريبا، وكلها تحتاج منا إلى جهود جبارة لعلاج صحتهم النفسية وإعادتها إلى توازنها الطبيعي..
مرحلة ما بعد العودة تتطلب منا جهودا أسرية وجهود مؤسسات مجتمعية، لاحتواء المشكلة..
فالأسرة عليها احتواء الطفل.. طمأنته.. إغداق مشاعر الحب عليه بغزارة.. الأخذ بيده ليعود للمجتمع تدريجيا بعد تأخر سنتين، كان من المفترض أن يبدأ بهما أول مراحل التواصل مع العالم الأكبر خارج نطاق بيته.. والصبر عليهم ثم الصبر ثم الصبر، حتى يعودوا للحياة بيسر وسهولة، فإن كانت الجائحة عاثت بنفسياتنا نحن الكبار فسادا، فما بالنا بأطفال لا تدرك عقولهم حجم الخطر..!
أما دور المؤسسة التعليمية فحبذا لو تكون هناك نشاطات لا منهجية، تشرح بشكل جاذب للطفل ما حدث خلال السنتين الماضيتين، من خلال قصص أو مسرحيات أو أفلام توعوية موجهة للأطفال، تحاول شرح الوضع بأبسط صوره يستوعبها عقل الطفل ليفهم ويستوعب، ولنغذي عقله بما يساعده ليكون عونا لنفسه على نفسه في تجاوز الأزمة.
أما المؤسسات المجتمعية الأخرى، فحبذا لو يكون تركيزها على تفعيل دور مراكز الاستشارات النفسية والاجتماعية، ومراكز علاجات اضطرابات النطق والتواصل الاجتماعي، وليتنا نشجع على لفت أنظار المستثمرين بضرورة الالتفاف إلى أهمية الاستثمار في نوادي الأطفال، والمشاريع التي تزيد من مساحة التواصل بينهم بما يعود على الطفل وعلى المستثمر بفائدة، تعود بشكل أكبر على المجتمع الأكبر.
في ظل كل هذا، هناك فئة من الأطفال يجب أن نوليهم رعاية استثنائية، هذه الفئة هي فئة الأطفال الذين فقدوا خلال هذه الجائحة أحد والديهم، أو إخوتهم أو أيا من أفراد الأسرة أو الأصدقاء المقربين إليهم، هؤلاء يحتاجون إلى علاج نفسي صعب وعميق ليتجاوزوا ويلات الحزن المؤلم، المستتر داخل نفوس بريئة لا تعرف أسباب هذا الفقد الذي كسرها.
أخيرا وليس آخرا.. كما خرجنا بفضل الله بسلام من عنق زجاجة ضيقة جدا، والعالم شهد لنا بتميزنا بذلك، نحن قادرون على الخروج بأطفالنا من نفق هذه الجائحة، الذي ما زال مظلما بالنسبه لهم.. كل ما علينا أن يكونوا هم إحدى بؤر اهتمامنا في المرحلة القادمة بشكل أكبر وبجهود متضافرة.. هم فلذات أكبادنا وهم كنوزنا الوطنية والمجتمعية، ونحن بعون الله قادرون على تحويل سلبيات الجائحة عليهم إلى إيجابيات.