لو أن رجلاً ائتمن أخاه المصلي على طفلته الصغيرة، فهل سيعتقد أن سوءًا سيحصل؟، بالضبط هذا ما فكر به الأب في قصة حصلت لطفلة بريئة، عند شكوى الطفلة من مضايقات عمها الجنسية حتى رد عليها الأب بصفعة إهانة، «كيف لأخي المصلي أن يفعل ذلك؟» الأب قائلا، هذه الطفلة تستحق التأديب على كذبها!، يصلي جميع فروضه، لا ينسى النوافل، يجدونه المسلم القدوة حتى في أخطائه، والصادق الأمين حتى في كذباته!

عندما يتقدم أحدهم لخطبة تلك «المغدورة» سيحتفون به بناءً على تأدية عباداته، فالأهل يسألون عن صلاته، ثم نظراؤه يتغنون بعدد إمامته للمصلين بمسجد الحي، هذا الرجل يصلي جميع فروضه، إضافة إلى أنه ينشر مجموعة الرسائل الدينية، والإرشادية يوميًا كل صباح -رغم أنه لم يقرأها-، الجدير بالذكر.. أنه يلعن العلمانية ليل نهار ويدعم مبدأها في عباداته ببيته الصغير، هو لا يعرف ماذا تعني العلمانية سوى ما قاله كارهوها عنها ويقوم بترديدها، علمانيته تكمن في التزامه بجميع عباداته داخل المنزل، وحينما يخرج يتحول إلى طفل عابث! محاولة لتبرير عدم التمييز بين الصحيح والخاطئ، فهو رجل بنهاية المطاف ومن الطبيعي أن يتخبط في بعض تصرفاته، غالبا يخاف ممن يملك مصيره فيكون مثالًا للأدب والخلق في التعامل معه، أما من لا يملك من أمره شيئا سيتجاهله، بل قد يأتي يوم ويسحقه ظلمًا وإهانة في سبيل مصحلته، كما تعلمون.

أن يتم قبول بعض الأفراد اجتماعيا ومهنيا.. بل وتبرئة المجرم منهم لالتزامه بتكرار شكلياته جسديا! نعم لم تكن صلاة لأنها لم تنهه عن الفحشاء والمنكر، كارثة إنسانية بحق العدل وإحقاق الحق، هل من المنطق أن ينفذ المجرم من إجرامه إذا قام بعبادات شكلية مع تغيير مظهره؟، تخيل أن من اغتصب ابنتك حينما وضعت به كل الأمانة وغدر بك.. لا يحاسب!، بل بعد عدة سنوات من ممارسة عباداته علنا ليراها الجميع سيتم تقديره واحترامه وإجلاله، مع أن ما يفعله هو أمر يخصه بينه وبين خالقه لا شأن لك به، سوى أنه ظلم ابنتك ولم يسمحوا لك باقتصاص حقها، بل إن الفتاة المغتصبة والمتحرش بها ستلبسها تهمة الانحلال الأخلاقي وهي الضحية، والمغتصب سيغفر له ويبرر بأنه طيش شباب!، كما حدث في قصة الفتاة التي انتحرت بمصر لأن هناك شابين أحدهما يدرس بالأزهر الشريف نشرا لها صورا مزيفة ومركبة وهي عارية فحكم عليها أهلها ومجتمعها بالانحلال والانحراف ولم ينفعها كل أيمانها المغلظة بأنها بريئة والصور العارية ليست صورها.

هناك قاعدة يرددها العوام: «كل مُصلٍ خطؤه مغفور» وهذه قاعدة بنوها على حديث الرسول: «إنما الأعمال بالنيات..» وينبني عليه أن المصلي بالضرورة مؤمن عابد لأن نيته طيبة، وهو فهم لهم غير سليم! كيف كشفت عن نيته؟، وأيقنت بنقاء نيته فعلا، وهل هذا يبرر أي خطأ يرتكبه؟ ما الفائدة التي تعود عليك أنت من تأدية عباداته التي يقدمها هو لخالقه حتى تغفر له وتدافع عنه باستماتة؟

لعل كلام الشيخ ابن عثيمين يحرر هذه المسألة حين قال:

كم من إنسان ظاهر عمله أنه صحيح وجيد وصالح، لكن لما بني على خراب صار خرابا، النية هي الأصل، تجد رجلين يصليان في صف واحد بإمام واحد يكون بين صلاتيهما كما بين المشرق والمغرب لماذا؟ لأن أحدهما قلبه غافل بل ربما يكون مرائيًا في صلاته والعياذ بالله، والآخر قلبه حاضر يريد بصلاته وجه الله واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فبينهما فرق عظيم.

فالأخذ بالصورة الظاهرية وادعاء معرفة النية القلبية التي لا يعرفها إلا الله عز وجل مخالف للحديث:

إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، والصورة تشمل الأمور التي تتعلق بالشكل والسلوك الظاهري الذي يحرص الشخص أن تكون صورته في أعين الناس عليها، والحكم على الشخص بأن نيته صادقة يرد عليه قول الرسول الغاضب لخالد: هلا شققت عن قلبه.