تقول آين راند: «قد يشقّ على كثير من الناس أن يفهموا ماذا تعني الفلسفة Philosophy، ولأن أفضل طريقة – ربما – لتعريف الفلسفة هي أن نقدِّم فكرة عما تفعله، فسأبدأ بسرد قصةٍ قصيرة جدًا - إذا افْتَرضنا أن هناك رائد فضاء خَرَجَت مركبته الفضائية عن نطاق السيطرة وتحطَّمت على كوكبٍ غير معروف. عندما يستفيق رائد الفضاء ويجدُ نفسه لم يُصَب إلاّ بأذىً طفيف، فإن أول ثلاثة أسئلة تَرِدُ إلى عقله قد تكون: أين أنا؟ كيف لي أن اكتشف هذا الكوكب؟ ماذا عليّ أن أفعل؟.

فهم الأسئلة

تستطرد راند عبر كتابها في سرد موقف رائد الفضاء، عبر قصة لطيفة، بأسلوب شائق - هي أصلا روائية كاتبة سرد - ثم تبين: إن معظم الناس يقضون حيواتهم وهم يكافحون/يعملون على تجنّب ثلاثة أسئلة أجوبتها تكمن في تفكير ومشاعر وعمل كل شخص منّا، سواء أدركها بوعي أم لا، هذه الأسئلة الثلاثة هي: أين أنا ؟ كيف لي أن أعرف ذلك؟ وماذا عليّ أن أفعل؟.

وتضيف مع مرور الزمن، تصبح أعمار الناس كافية لأن يفهموا تلك الأسئلة، وهم يعتقدون أنهم يستطيعون الإجابة عليها. فمثلًا سؤال أين أنا؟ إذا افترضنا أن أحدًا منّا سأل هذا السؤال وهو في مدينة، ثم ألحقه كيف يمكن لي أن أعرف هذه المدينة؟ من الواضح أن عليه أن يسأل في هذا السياق أيضًا، ماذا عليّ أن أفعل هنا؟ في هذه الحالة، فإن هذا الشخص يبدو أنه ليس متأكدًا مما عليه أن يفعله، غير أن الجواب المعتاد في المواقف المشابهة هو: افْعَل كما يفعل الآخرون.

إن الشيء المزعج ههنا، يبدو من الناس، إن الناس، عموما، لم يعرفوا/يكتشفوا حقيقة أن الشيء «المزعج» يتأتّى من عدم الإجابة عن تلك الأسئلة الثلاثة، وأن هناك عِلْما واحدا فقط يحمل الإجابة عليها هو: الفلسفة.

تحصيل المعرفة

على عكس العلوم المتخصِّصة التي تُعنى بجوانب محددة فقط، فإن الفلسفة تبحث في الجوانب المرتبطة بالكون والعالم التي تتعلّق به الموجودات كافة. ففي مملكة المعرفة، تُمثِّل العلوم المتخصِّصة الأشجار، غير أن الفلسفة هي التربة التي تجعل من تلك الأشجار غابات مُمكنة، بمعنى أنها تدرس الطبيعة «الأساسية» للوجود الإنساني وعلاقته بهذا الوجود. وتواصل في شرح وتفصيل أكثر: إن درجة ثقتنا الذاتية بأنفسنا، ومدى نجاحنا في حياتنا سيختلف حسب مجموعة الأجوبة التي نَقْبَل بها. هذه الأجوبة هي مَدار ما يُطلق عليه في الفلسفة «ابستمولوجيا Epistemology»؛ أو نظرية المعرفة، وهي التي تدرس وسائل الإنسان في تحصيل المعرفة.

الاختيارات والأفعال

الميتافيزيقا والابستمولوجيا، فرعان من الفلسفة، هما الأساس النظري للفلسفة. أما الفرع الثالث فهو «الأخلاق Ethics» الذي يمكن أن يعتبر بمثابة «تكنولوجيا» الفلسفة إذا صح التعبير. قد لا تنطبق الأخلاق على كلِّ شيء موجود في هذا العالم، وإنما على الإنسان فقط، لكنها، في الواقع، تنطبق على كلِّ جانب من حياة هذا الإنسان: شخصيته، أفعاله، قِيَمه، علاقاته مع كل ما هو موجود. فالأخلاق أو «الأخلاقية Morality»؛ تُعرَّف بمجموعة من القيم التي تُرْشِد الإنسان في اختياراته وأفعاله، تلك الاختيارات والأفعال التي تُحدِّد مَسَار حياته.

الإيثار والتضحية

تطرح الميتافيزيقا والابستمولوجيا، سؤالين هما: هل الإنسان كائن عقلاني قادر على التعامل مع الواقع، أم أنه مجرّد شيء أعمى عاجز أو ريشة تعصف بها قوة كونية غيبية؟ هل الإنجاز والمتعة ممكنتان للإنسان على الأرض، أم أنه محكوم عليه بالفشل والكوارث؟ استنادًا إلى إجابتنا على هذين السؤالين، يمكننا المضي قُدُمًا بالتعامل مع الأسئلة التي تطرحها الأخلاق مثل: ما هو الخير أو الشر للإنسان، ولماذا يكونان؟ هل ينبغي أن يكون اهتمام الإنسان الأساسي هو السَّعي لتحقيق السرور والمتعة، أم الهرب من الألم والمعاناة؟ هل ينبغي على الإنسان أن يتمسَّك بتحقيق ذاته، أم بتدمير نفسه كهدف لحياته؟ هل ينبغي على الإنسان أن يتَّبع قِيَمه الخاصة، أو أن يضع مصالح الآخرين ورغباتهم فوق مصلحته ورغبته؟ هل ينبغي على الإنسان أن يسعى إلى الأثرة أو حبّ الذات، أم إلى الإيثار والتضحية بالنَّفس؟

القدرة على العيش

الإجابات التي توفرها الأخلاق تُحدِّد كيف ينبغي أن يُعامل المرء البشر الآخرين، وهذا من شأنه أن يحدِّد الفرع الرابع للفلسفة وهو «السياسة Politics »؛ والتي تحدِّد مبادئ النظام الاجتماعي المناسب. وكمثالٍ على وظيفة الفلسفة، فإن الفلسفة السياسية لن تُطلعنا، مثلًا، على مقدار الماء أو الكهرباء أو الغاز الذي ينبغي أن يحصل عليه كل فرد وفي أيِّ أيام من الأسبوع، لكنها سوف تقول لنا ما إذا كانت الحكومة لديها «الحق» في فَرْض تَقْنين على أيِّ شيء.

الفرع الخامس والأخير للفلسفة هو «الاستيطيقا (الجماليات) Esthetics»؛ أي دراسة الفن، والذي يقوم على أساس الميتافيزيقا والابستمولوجيا والأخلاق معًا. إن الفن يتعامل مع احتياجات «تغذية» وعي الإنسان.

كتاب مهم، من أجمل الكتاب التي يمكن تشكل رؤية لطيفة تشكل مدخلًا للاستزادة من الفلسفة بمخلص يقول: إن حاجتنا إلى الفلسفة لكي نكون قادرين على التعامل مع المشاكل الملموسة في الحياة الواقعية، أي لكي نكون قادرين على العيش في عالمنا، وعلى هذه الأرض.

أليسا زينوفيفنا روزنباوم

" آين راند"

(1905 - 1982)

روائية وفيلسوفة وكاتبة مسرحية وكاتبة سيناريو روسية أمريكية.

تُعرف بروايتيها اللتين حققتا مبيعات هائلة، وهما المنبع وأطلس هازًا كتفيه

ولدت وتعلمت في روسيا

انتقلت إلى الولايات المتحدة في عمر 21 عام سنة 1926

عملت كاتبة سيناريو في هوليوود

أُنتجت لها مسرحية على مسرح برودواي في 1935-1936.

تحولت إلى الأدب الواقعي لدعم فلسفتها ونشر المجلات الخاصة بها

دعمت العقل بوصفه الوسيلة الوحيدة لاكتساب المعرفة.

في الفن، روجت راند للواقعية الرومانسية.

في الجامعة اطلعت على كتابات أرسطو وأفلاطون، الذي سيكون بالنسبة لها أكبر مؤثر.

درست الأعمال الفلسفية لفريدريك نيتشه.

أجادت الفرنسية، الألمانية والروسية