ويمكنني الحديث في هذه السطور عن مساحات تويتر Twitter spaces التي ابتكرتها شركة تويتر الوسيط الرقمي الاجتماعي، في جعل المساحات وسيلة جديدة لإجراء محادثات صوتية مباشرة على تويتر، أي أننا أمام نافذة جديدة لنشر الوعي والتثقيف وبخاصة الأدبي والفني، بلغة عصرية تخدم الفنون والآداب على حد سواء، وترفع من مستوى الذائقة في تلقي الأدب عموماً والشعر بصفة خاصة.
من المفيد الإشارة إلى أن خدمة «المساحات» -كما توضحها الشركة نفسها- هي خدمة عامة، وبالتالي يمكن لأي شخص الانضمام كمستمع، بما في ذلك الأشخاص الذين لا يتابعون حسابك في تطبيق تويتر الذي يتيح لنظامي التشغيل iOS وAndroid انضمام الجميع إلى أية مساحة، والاستماع إليها والتحدث فيها، بينما لا يتيح الويب web حاليا بدء المساحات، ويُطلَق على مُنشئ المساحة اسم المُضيف، ويمكن لشخصين بحد أقصى أن يصبحا شريكين للمضيف، ويتمتعان بصلاحياته أيضاً، ويصل عدد الأشخاص الذين يمكنهم التحدث في المساحة في أي وقت إلى 13 شخصًا، إضافة إلى المستمعين الذين ترحب بهم المساحة بلا حدود، كما يمكن للمضيفين إضافة أية تغريدة في رأس المساحة وتسجيل المساحات التي قاموا بإنشائها لإعادة تشغيلها، ويكون التسجيل متاحاً على الفور بعد انتهائها، ويختار المضيف عنوان المساحة الجاذب للناس حتى يحضر أكبر عدد ممكن، ويدعو المختصين للحديث عنه، ويُعدُّ محاور المساحة ويُنسق مع بعض المتحدثين المساندين للمختصين في الموضوع المراد مناقشته، ثم يفتح المجال لمداخلات المستمعين وتعليقاتهم، حول ما سمعوه مع الإدارة الكاملة للمساحة والمحافظة على انضباطها.
من هنا يمكن طرح الأسئلة التالية: هل يستطيع الأدب والشعر تحديداً الاستفادة من هذه الخدمة، وتعريف الجمهور الكبير بأشكال الشعر والتدرب على استيعاب النصوص والتفاعل معها، وبخاصة القصيدة الرقمية؟ وكيف يمكن إقناع المتلقي -الذي لا يعرف سوى الشكل الشعري العمودي الكلاسيكي - بالأشكال الشعرية الأخرى والاستمتاع بصورها الشعرية ولغتها الإبداعية؟
في ظني ستكون «المساحات» ميدانا مناسبا لبث الوعي الأدبي والمعرفي؛ لسبب بسيط هو أن الغالبية من الناس تمتلك حسابات في تويتر، وأصبح هذا الموقع شعبياً وملاذاً جاذباً للناس واستخدامهم له بشكل يومي، كما أن هذه المساحات الرقمية ستوفر جمهوراً كبيراً من مختلف بلدان العالم، ومكاناً مجانياً يفد إليه الحضور في سهولة وسلام يفوق ملتقيات الأدب ومؤتمرات البحث العلمي النخبوية، ويمكن للجامعات عرض مناقشات رسائل الماجستير والدكتوراه مباشرة في هذه المساحات، والإعلان عن آخر مستجدات البحث العلمي والنتائج التي توصل لها وتقييمها، كما يتوجب على الشعراء القيام بالدور التثقيفي وعرض التجارب الجديدة، والتعريف بالأشكال الشعرية في هذه المساحات والسماح للمستمعين بالتداخل وإبداء وجهات النظر حولها، ومناقشة الشعراء والتعرف إليهم، تحقيقا لفوائد الأدب وغاياته المتعددة، سواء أكان ذلك في جانب الأثر والتأثر أم في المتعة الفنية أو في الاعتداد بما تمتلكه المجتمعات من آداب وفنون وما إلى ذلك.
من المؤكد أن هذه «المساحات» ستمارس دوراً تنويرياً وأدبياً، وسيصل النص الرقمي بالذات من خلالها إلى كثير من الناس، «ولن تكون هناك قطيعة حتماً بين الأدب الكلاسيكي والأدب الرقمي على مستوى سؤال الأدبية، إلاَّ أن الباحث والمبدع بشكل خاص يستعين بالآلة في برمجة أبحاثه وإبداعاته الأدبية»؛ لكنه يحتاج إلى دراية بعالم التكنولوجيا ومهارة في التعامل مع الوسائط المتعددة التي تتيحها التقنية على الشبكة المعلوماتية اليوم بلا خوف أو وجل؛ فهي لم توجد إلاَّ لخدمة الإنسان ومساعدته وتثقيفه، «ولن يستقيم الوعي بالأدب الرقمي إلاَّ بانخراط المبدعين والنقاد والمثقفين في التجربة كتابةً وتأملاً ونقداً وتفكيراً»، ولن تكون المهمة شاقة على هيئة الأدب والنشر والترجمة ولا على جمعية الأدب المهنية غير الربحية، إذا ما استفادتا بشكل جديّ من خدمة «المساحات» المجانية، وأسهمتا في التفاعل وبث الوعي والتثقيف والوصول إلى شرائح المجتمع المختلفة في سهولة، والارتقاء بالحركة الأدبية ومساندتها لحركة التنمية في المجالات الأخرى ومواكبة رؤية 2030.