انتقد الناقد الدكتور عبدالله الغذامي «الوطنجية»، واصفا إياه بـ«التعبير السائد في تويتر»، وهي مذمة مثل القوم والقومية والقومجية، ومثل الإسلام والإسلامي والإسلاموية، فهي مصطلحات تأخذ على أن الشيء محايد، وينتقل إلى أمر غير محايد.

جاء ذلك خلال استضافته في «مساحة الوطن» بتويتر أول أمس تحت عنوان «النقد الثقافي.. جناية أدونيس أو الغذامي».

استحواذ الشيلات


سألت الكاتبة بصحيفة «الوطن» الروائية عبير العلي، التي أدارت الحوار، «الغذامي» عن القبائلية والشعبوية التي عمت العالم حتى في أوروبا وأمريكا، وأنه فصل بين القبيلة والقبائلية، وأن القبيلة اتجهت إلى القبائلية والعنصرية تحت معنى التفوق والجذر والأصل من خلال فكرة المواطن الحقيقي في الشيلات والقصائد والمواقع الإلكترونية للقبائل ووسائل التواصل؟، ليرد «الغذامي» موضحا:

مصطلح القبائلية باختصار شديد لما نقول الشعب ثم الشعوبية ثم الشعبوية، فقياسا على المصطلحات الثلاثة، نقول القبلية ثم القبائلية.

القبيلة مثلها مثل العائلة شرط وجودي لمعاش بشري، يساعد بعضها بعضا، ويحمي بعضها بعضا، وهي مثل خلية العائلة، والفارق بين القبيلة والعائلة هو حجم فقط، فالعائلة قبيلة صغيرة، والقبيلة عائلة كبيرة، فذلك تكوين طبيعي.

ولكن ننتقل إلى القبائلية، فهو مثل ما ننتقل من الشعب إلى الشعبوية انتقلنا إلى المنطقة الخاطئة، من الوطن إلى الوطنجية، وهذه سائدة في تويتر، لما تقال كلمة «وطنجية»، فهذه مذمة. أما قول الوطن، فهو معنى محايد، نحن نمنحه الصفات والقيمة، لأنه وطننا.

الشيلات إيقاعها مذهل، وينطبق عليها النقد الثقافي، إذ استخدمت الجمالية من حيث الإيقاع والحركات والإثراء والإغراء، إلى أن تتسلل إليها جمل قبيحة، وهنا يشتغل النقد الثقافي، ليميز بين الجميل والقبيح. وتابع «الغذامي»: الشيلات أصبحت مستحوذة بسبب الإيقاع والفن المسرحي والحركات، وليس بسبب الكلام والنصوص. وإذا حكمنا عليها بالإطلاق، فهذا غلط، ولكن إذا حكمنا عليها مثل الحكم على الجميل أنه جميل، ولكن به عيوب، وليس أنه كله معيب، فحينها نكون منهجيين في النقد، والشيلات هي من أهم مواضيع النقد الثقافي.

أسباب غضب أدونيس

استهل «الغذامي» اللقاء بتوضيح مفاهيم وماهية «النقد الثقافي»، متخذا من عبارة مراسل «سي. بي. إس» في تغطيته بدء الغزو الروسي لأكروانيا (من المحزن أن نرى أطفالا بعيون زرق وشعر أشقر يتعرضون للقصف من بوتين) نموذجا تطبيقيا للنقد الثقافي، الذي كان محور الانطلاقة الأولى لـ«مساحة الوطن»، موضحا المستويين اللذين يعمل عليهما النقد الثقافي (المضمر/‏‏ الواعي). واسترسل في حديثه عن هذا الجانب، واصلا إلى إلقاء أمريكا قنبلتها الذرية على هيروشيما، ولافتا إلى أن من ألقاها ديمقراطي، هو ترومان، ومذكرا بأن الديمقراطية إذن أفضت إلى اندلاع أكبر حروب شهدتها البشرية. وعندما عادت المحاورة «العلي» إلى تذكيره بوصفه «أدونيس» في كتابه عن النقد الثقافي، الصادر في 2000، استفاض «الغذامي» في توضيح سبب غضب أدونيس منه، وهجومه المتكرر عليه، مبينا أنه كتب مقالا عن محمود درويش، قال فيه «محمود درويش ناثر وليس شاعرا». وأبان: قصدي بالنثر نوع من الخطاب الراقي جدا المتعالي، يشبه النصوص الراقية التي تدخل إلى النسق الوجودي، ومع ذلك درويش لديه نسقية لكن تختلف عن نسقية أدونيس، فنسقية أدونيس يصدق عليها ما قال نزار قباني «أنا لا أقيس نفسي إلا بنفسي»، يعني هو مرجعية ذاتية، جربت كل أنواع العبادات كلها، فوجدت أحسنها عبادة ذاتي. القصيدة جميلة نعم، ولكنها معيبة، حيث إن فيها فحولية وأنا وملغية للآخر، لذلك الكلام الذي مثل هذا عند أدونيس هو الذي أغضبه. ولأنه صديق عزيز، وبيننا صداقة، كان يعرف قبل صدور «النقد الثقافي» أنني بصدد إصدار كتاب ينقد النسقية الشعرية، وطرب للعبارة، ولكني أخفيت عنه ما في جعبة الكتاب. لذا صدم عندما صدر الكتاب، وأصبح يصدر تصريحات شديدة اللهجة، وكان بيني وبينه عتاب. وسبب ذلك لأنه يحرج في جلسات ومحاضرات وندوات عندما يكون نجم الجلسة، ويشير له صحفيون ويقولون عنه إن «الغذامي» يقول عنه إنه يمثل الحداثة الرجعية.

وقال «الغذامي»: أعذر أدونيس، وأتفهم غضبه، لأني لم أجعله النموذج الأعلى في النقد الثقافي، وجعلت درويش أفضل منه باستمرار.

الأنساق المخبوءة

حين عادت «العلي» لتذكر «الغذامي» بأنه لا يختلف عن الأيديولوجي في أحكامه، فالداعية يقول: سبب تأخر المسلمين البعد عن الدين، والغذامي يقول: سبب تأخرنا النسق المضمر، وأنه أخرج علي الوردي وأدونيس من إقطاعية النقد الثقافي، ليكون «الغذامي» وحده فيها، علق على ذلك بقوله: النسق الثقافي ليس سبب تأخرنا، أمريكا ليست متأخرة ولديها نسق، بوتين ليس متأخرا. النسق لا دخل له بالتخلف، هو فيروس يصيبنا، فمثلا «كورونا» فيروس، وأصاب بايدن ورئيس وزراء بريطانيا، بوريس جونسون، وغيره، ولم يميز بين الطبيب أو الحاكم أو غيره، بل يصيب الجميع. كل واحد منا ينطوي على الشيء ونقيضه، والعلامة التي تقودنا لاكتشاف الأشياء ونقائضها هي النصوص، وهذا الذي جعل «الغذامي» يتحول جذريا من النقد الأدبي إلى الثقافي، فمنذ كتاب «المرأة واللغة» دخلت عالم المرأة، وتعامل اللغة معها، واكتشفت الأنساق المخبوءة داخل الثقافة، وتكشف ليّ ما الذي وراء النص الجميل الذي يختبئ تحته.

موت الشعر

عرج «الغذامي» خلال «المساحة»، التي شهدت حضور قرابة 700 شخص في جلستها الأولى على مدى ساعتين، وتحدث فيها رئيس جمعية الأدب، الدكتور صالح زياد، بالإضافة إلى رئيس تحرير «الوطن»، الدكتور عثمان الصيني، لجملة «موت النقد الأدبي» التي أطلقها في كتابه «النقد الثقافي»، قائلا: يجب أن نأخذها بقيمتها المعرفية مثل ما نقول «موت المؤلف»، فالعبارات هذه وظيفية، يعني «موت النقد الأدبي» لم يعد له وظيفة في هذا العصر، بمعنى أن عصر التحديات وصلنا فيه أعلى مما كنا عليه في الماضي من الشغل على القصائد الرنانة. الثقافة العباسية أمضت قرونا ومتونا، لا تعد ولا تحصى، في خدمة النصوص الأدبية الجميلة، وعصر النهضة العربي في مطالعه بمصر وغيرها. الشغل كله كان عن النقد الأدبي والأدب، لأن القصيدة في أزمنة مضت كانت هي العنوان الثقافي الأكبر والأهم، فالشعر عالميا حتى عند غير العرب كان هو عنوان الثقافي الأبرز. في هذا العصر لم يعد الشعر هو الأهم، بل أصبح الخطاب الاتصال العام.. خطاب التفاعل وشرائط الأخبار والتلفزيون والتواصل والفضائيات.