اعتمدت وزارة التعليم قرارا تاريخيا بتدريس الموسيقى في مراحل التعليم العام. خطوة على طريق المعرفة والجمال والتحرر من الأوهام التي كبلتنا بها عقود الصحوة.

وكما هو معتاد ومتوقع، هب المتشددون للإنكار والمواعظ على شتى منصات التواصل الاجتماعي. ومع أننا نعلم انحسار تأثيرهم في مجتمعنا الذي يمر بحالة استيقاظ جماعية، إلا أن مثل هذه الحملات، تمثل مادة خصبة للأعداء الروتينيين المنتشرين على هذه المنصات.

الحقيقة إقرار مادة الموسيقى في التعليم المدرسي هو مكتسب لا يقدر بثمن، فالموسيقى علم متكامل له أصول وقواعد، والاحتياج لمخرجاته لا ينتهي. كما أن هذا القرار يعد تدشينا لمرحلة جديدة ومستهدفات تعليمية مختلفة عما سبق.


خلق الله الطبيعة بكاملها في حالة موسيقية، نسمع الموسيقى في حفيف الشجر وهفيف النسيم، في شقشقة العصافير ومواء القطط، ولقد أجاد الإنسان لغة الصوت فأنتجها واستخدمها للتعبير عن الحب أو الحماس أو الخشوع أو الحزن أو سائر حالاته الشعورية.

على أن تحريم الموسيقى، هذا التحريم الغليظ لم يأت منفردًا، بل جاء ضمن حزمة من الاحتياطات، خلقت لنا سابقا شخصيات كئيبة مؤدلجة سهلة الانقياد، قابلة للتعبئة ضد المجتمع والوطن والإنسانية، شخصيات لا تعمل العقل في علل التحريم ولا منطقية المتون، بل تقدس شخوص الرواة والناقلين، وتنزههم حتى عن السهو أو الخطأ البشري الطبيعي.

لكننا ولله الحمد نرى جيلا مختلفا عن سابقه، جيلا يمارس التساؤل بكل شجاعة، ويناقش في أبجديات الأمور ويشعر بالاستحقاق لحياة كاملة.

تم اليوم إذا، تتويج قرارات الوزارة السابقة بتدريس الرياضة للفتيات وتدريس مادة التفكير الناقد، ليكون هذا القرار الاستثنائي مؤشرا واضحا بأن التعليم يمر بمرحلة إصلاح فكري شامل، ويتحول من النمط الايديولوجي القديم، إلى نمط حر وحيوي. معتمدا على معرفة عميقة باحتياجات الأجيال القادمة، وبأهمية تعزيز حالة الوعي ورعاية موروثنا الثقافي والاندماج ضمن الثقافة الإنسانية دون قيود.

يمكننا اليوم أن نقول بفخر، إن روح التعليم في السعودية قد تجددت وهذه فقط بداية الطريق.