أصبحت وسائل الإعلام الحديثة اليوم تبحث عن صُناع «أخبار الصورة» ممن لديهم مهنية عالية واحترافية في الصياغة المؤثرة.
وجاء دخول الذكاء الاصطناعي قاعات التحرير ليباعد بين الماضي وما آلت إليه هذه الصناعة في عصرنا الحاضر حيث استغله الأشرار للتزوير وإقناع السذج بما يبثونه.
في كتاب «صانعو الأخبار» لفرانسيسكو ماركوني «من جامعة كولومبيا نيويورك ترجمه الدكتور شاكر الذيابي رئيس قسم الإعلام الإلكتروني في الجامعة السعودية الإلكترونية، أشار المؤلف لأول مرة عن معادلة تحريرية جديدة، باستخدام الذكاء الاصطناعي، كأداة فاعلة في صندوق الأدوات الصحفية، وقدرته على تحليل النصوص مباشرة من البيانات، واكتشاف الرؤى المخفية داخل المقاطع المرئية وتفريغ وترجمة المقابلات في نفس اللحظة.
وقال «يمكن للمحرر أن يصنع من تلك المعادلة أكثر من رواية للقصة الإخبارية الواحدة».
ويرى أهل اللغة وجود فرق واضح بين الخبر والنبأ، فالأول لا يتمتع دائما بالحقيقة لأنه قابل للتحريف والتجريف والتخريف، في حين أن النبأ على درجة كبيرة من المصداقية كون مصدره واضح شفاف.
وقد أوجز كريستوفر ويلسون حقيقة الأخبار في بعض المؤسسات الإعلامية من خلال روايته حديقة الحيوان حين قال «يوجد في الحياة صحيفتان (الحقيقة) و(الأخبار) ومع ذلك فلا أخبار نجدها في الحقيقة ولا حقيقة نجدها في الأخبار».
وأعتقد من متابعتي أن شروط تحرير الخبر التي كانت معروفة فيما مضى، ومنها المكونات، المقدمة، التفاصيل ومدى الإجابة عن أدوات الاستفهام الستة أين، متى، كيف، ماذا، من، لماذا؟ لم يعد لها أهمية، حتى نظرية الهرم المقلوب فقدت مفعولها في عالم متغير سريع، بعد توغل آلات التصوير الرقمية «الكاميرات» على الأحداث بعيونها التي لا تنام، تتابع كل شيء قبل وأثناء وبعد وقوع الحدث في كل مكان وزمان، مما جعل قراءة الصور هو الأسلوب السائد والمفضل لدى المتابعين.
لكن الأخطر مما سبق هي حمى أخبار التافهين والتافهات، الذين أفلسوا من الأخلاق، وأصبحوا يعرضون ليل نهار وجوههم التي تعاني من إخفاق المعالجين، وانعكاسات نفسياتهم المتوترة وإفلاس أقوالهم وأفعالهم.
وأصبح الحذر من متابعة ما يبثونه من أخبار مصورة عن حياتهم المزيفة أمرًا مهمًا، مع أن شهرتهم المؤقتة لا تساوي شيئًا وتتقزم أمام إنجازات أهل المجد، والفخر من أبناء وبنات بلادنا الحبيبة، الذين أبدعوا ويبدعون في عهد الرؤية الطموحة، بمنجزات عالمية في مجالات العلوم، الإدارة، الصناعة، الهندسة، الطب، الاختراع، القوة الناعمة، وهناك أيضًا الأوفياء الشرفاء ممن ضربوا أروع الأمثلة في التضحية والفداء لحماية الوطن وحدوده والسهر على أمنه بتوجيهات قيادتنا الرشيدة.
على المجتمع اليوم أن يتصدى لتلك الأخلاط السيئة من صور أخبار مشاهير الفلس ممن يحسبون أنهم رواد الإنجازات، وقادة التغيير بينما هم في حقيقة الأمر فقاعات يُنفخ فيها ثم تختفي وتتلاشى.
وأعتقد أن كثرة الأخبار المحبطة والساذجة ساهمت في التأثير على تركيز الإنسان، فما آفة الأخبار إلا رواتها.
ولعل هذه الأسباب وغيرها تقنعنا، إلى العودة لمتابعة الأنباء من المصادر الإعلامية النزيهة في بلادنا سواء المكتوبة أو المسموعة أو المرئية، التي شهدت الأعوام الماضية خطوات تطويرية كبيرة بما يناسب روح العصر وما زال لها الحضور، والقبول والمصداقية في قلب كل مواطن ومقيم.