وفي حين أن نتائج المواجهة مع إيران لم تُحسم بعد، إلا أن اللحظة السياسية قد تمنح نتنياهو شريان حياة نادر، في توقيت حاسم قبل انتخابات إسرائيلية محتملة خلال العام المقبل.
فرصة أخيرة
وفي الداخل، يُنظر إلى الحرب على إيران كفرصة أخيرة لنتنياهو لإعادة صياغة إرثه قبل أن تنهيه صناديق الاقتراع أو مسار المحاكم. لكن خبراء يشيرون إلى أن أي مكاسب سياسية قد تتبدد مع استمرار الخسائر البشرية في غزة، وفشل تحقيق انتصار حاسم أو إعادة الرهائن.
ويشبّه بعض مساعديه وضعه الحالي برئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، الذي قاد بريطانيا للنصر في الحرب العالمية الثانية، ثم خسر الانتخابات مباشرة بعد انتهائها.
إرثٌ سياسيٌّ مُربك
ورغم الزخم الجديد، لا تزال تحديات نتنياهو الداخلية قائمة. فالقضية الجنائية المتعلقة بتهم الفساد، واستمرار الحرب في غزة، ووجود رهائن لدى حماس، تجعل مستقبله السياسي مفتوحًا على سيناريوهات متباينة. ووفقًا لاستطلاعات رأي نُشرت خلال الأسبوع الماضي، فإن حزب الليكود بزعامة نتنياهو سيجد صعوبة في تشكيل ائتلاف حاكم إذا أجريت الانتخابات حاليًا.
وبينما يعتبره بعض الإسرائيليين منقذًا أمنيًا في مواجهة إيران، يُنظر إليه في الأوساط الدولية على أنه زعيم يفتقر إلى الشرعية الأخلاقية، خاصة بعد صدور طلبات توقيف بحقه من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة.
المشهد السياسي
وعقب هجوم حماس على جنوب إسرائيل، الذي أودى بحياة نحو 1200 شخص، بدا نتنياهو فاقدًا للسيطرة. واجه انتقادات داخلية لاذعة، وُجّهت إليه اتهامات بالإهمال الأمني، وسُجل أدنى مستويات التأييد الشعبي في مسيرته. ورفض تحمّل المسؤولية المباشرة، وألقى باللوم على الأجهزة الأمنية، وسط دعوات شعبية متصاعدة لإجراء تحقيقات عامة.
لكن الهجوم الإيراني الأخير والتدخل الأميركي المباشر في استهداف منشآت نووية داخل إيران منحه فرصة لتفعيل موقعه السياسي مجددًا، مستندًا إلى سردية أمنية أكثر اتساقًا مع خطابه السابق.
صعود جديد
ومنذ ولايته الأولى في التسعينيات، بنى نتنياهو مسيرته السياسية على التحذير من البرنامج النووي الإيراني، واعتباره الخطر الأكبر على أمن إسرائيل. كرر هذا الطرح في كل منبر دولي، من الكونجرس الأمريكي إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث رفع في إحدى المرات رسمًا كاريكاتيريًا لقنبلة إيرانية قيد التشكيل.
وبينما اتُّهم بالتضخيم أو صرف الانتباه عن أزمات داخلية، يرى حلفاؤه اليوم أن الواقع يتقاطع مع تحذيراته القديمة. وأكد مقربون منه، منهم مساعده السابق أفيف بوشينسكي، أن نتنياهو اليوم «ينقذ إرثه»، ويثبت أن نهجه تجاه إيران لم يكن مبالغة.
نقطة انهيار
وأدى الهجوم الذي شنته حماس إلى هزة عميقة في التصورات الأمنية الإسرائيلية. فقد تبنّى نتنياهو على مدار سنوات سياسة «احتواء» حماس، وسمح بمرور مساعدات مالية من دول وسيطة كجزء من إستراتيجية تهدئة. إلا أن تلك السياسات اصطدمت بأكثر هجوم دموي شهدته إسرائيل منذ تأسيسها.
وأثار هذا التحول تساؤلات حول مدى فعالية أولويات نتنياهو الأمنية، وخصوصًا اتهامات بتجاهل التهديد القريب في غزة لصالح التركيز الإستراتيجي على إيران.
دعم مرحلي
وشكّل التدخل الأميركي الأخير في إيران ـ الذي قاده الرئيس دونالد ترامب ـ دفعة سياسية لنظام نتنياهو. ورأى مراقبون أن ظهوره صبيحة الهجوم الأميركي، وهو يشكر ترامب بابتسامة لافتة، لم يكن فقط تعبيرًا عن انتصار إستراتيجي، بل أيضًا عن لحظة إعادة تموضع سياسي داخلي.
ومع أن دعم واشنطن حاسم في هذه المرحلة، إلا أن محللين يحذرون من ربط مصير نتنياهو السياسي بهذا التغيير المؤقت، خاصة أن العلاقات الإسرائيلية الأميركية تبقى عرضة لتغيرات مزاج الإدارة الأميركية والكونجرس.