اكتشف العلماء ما يعرف بمرض نقص المناعة المكتسب في بداية الثمانينات الميلادية، ذلك المرض القاتل سابقاً و(المُسيّطر) عليه لاحقاً، نسج عنه بعض (الدعويين) والأطباء الذين توقفت (مطالعتهم) الطبية عند مراحل التسعينات الكثير من قصص الرعب وأفلام الخيال، حتى خُيل للناس أن القراءة عنه قد تصبح مُعدية، وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز إلى أنّ عدد المتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسب عالمياً هو 36.7 مليون نسمة في أواخر عام 2015. وقد شهد العام نفسه وقوع نحو 12 مليون إصابة جديدة بذلك الفيروس، ووفاة 1.1 مليون نسمة من جراء الإصابة بعلل ناجمة عن فيروس نقص المناعة المكتسب أو الإيدز (المرض في مرحلة متأخرة) كما يشتهر بين العامة من الناس، تشير أرقام وزارة الصحة السعودية إلى اكتشاف أكثر من 22 ألف حالة ما بين عام 1984-2015 منها 6670 سعودياً وحوالي 16 ألف حالة من غير السعوديين، ثم اكتشاف 1191 حالة جديدة في عام 2015 كان نصيب السعوديين منها حوالي 40%‏.

 باعتقادي المتواضع أن الأرقام سوف تستمر بالزيادة محلياً بسبب عدم وجود خطط توعوية ناجحة، وبسبب تهرب الكثير من الأخصائيين من دخول معترك التوعية الشائك، فكل ما يعرفه أغلبية المجتمع أن الإيدز هو مرض قاتل وأن الإصابة به هي النهاية الحتمية والمأساوية لحياة عابثة، غاب الخطاب الطبي التثقيفي عن المشهد لسنوات طوال، وحل بديلاً له الخطاب الديني (التوعوي)، الذي قام على أن نهاية الإثم الكبير (الزنا) هي (الإيدز) القاتل، وتم استخدام أسلوب الترهيب والتخويف الذي أثبتت الدراسات أنه أقل الأساليب فعالية في الحد من هذا المرض الخطير.. لماذا؟ لأننا نتعامل مع فطرة بشرية كالجنس، ومهما حاولنا منعها بالترهيب فلن نستطيع، خطاب الرعب والتعتيم الإعلامي الذي اتخذناه لسنوات لم يوقف ازدياد حالات نقص المناعة المكتسب بل زاد الموقف سوءاً بأن أنتج جيلاً من (الموسوسين) المرعوبين، الذين وصل بهم الحال إلى حالات اكتئاب وهلع شديد نتيجة الخوف من المرض المرعب، حتى يخيل لأحدهم أن المرض ينتقل عن طريق اللمس أو الشم أو مجرد التفكير تماماً كقصص الأفلام البوليودية، خطاب الرعب أنتج جيلاً لا يفقه شيئاً عن كيفية تفادي تلك الأمراض الجنسية وكيفية التعامل معها بالطريقة الصحيحة. لعل الكثير منا شاهد مؤخراً الفيديو لأحد الدعاة وهو (يهرف) بما لا يعرف عن أعراض مرض نقص المناعة المكتسب، خاتماً خطبته العصماء لمجموعة بريئة من الأطفال والمراهقين بسجود للشكر، لأنهم لا يعانون من تلك الأعراض الدالة على الإيدز، أي سفه هذا وأي منطقٍ؟! فالدعوة إلى الوقاية لا تكون بهذه الطريقة وما هكذا تورد (الإبل).

 هناك خيط رفيع بين التوعية للوقاية من الأمراض الجنسية وبين تسهيل فعلها، وهذا ما اتُهم فيه الكثير من الأخصائيين عند محاولتهم تثقيف المجتمع، يجب أن نخرج من العباءة الملائكية التي نلبسها ونضفيها على أنفسنا ليلاً ونهاراً، ونتغنّى بخصوصيتنا التي أرجعتنا لعشرات السنين إلى الوراء، ونعترف بأننا بشرٌ نخطئ ونصيب وخير الخطائين التوابون، والحل الأمثل هو الحوار والتوعية والوضوح والإرشاد بالحسنى، كما فعل أحسن البشر مع من أتاه يطلب له السماح بالزنا، كانت عبقريته صلى الله عليه وسلم في استخدام الحوار العقلي وليس نسج القصص والخرافات لتخويف الناس، تلك عبقرية محمد التي خير بها السائل هل يرضى الزنا لمحارمه والتي كتب عنها العقاد وتغنّى بها مايكل هارت في كتابه (الخالدون المئة)، ووصفه برنارد شو بأنه منقذ البشرية.

 سأتحدث قليلاً عن التجربة التايلاندية في مكافحة الإيدز واعتبرها تجربة (ملهمة) لجميع البلدان، وأشادت بها منظمة الصحة العالمية بعد تقليل مستويات الإصابة بالمرض في أحد أفقر البلدان الآسيوية، حيث قامت بـ

1 - إطلاق حملة إعلامية عمومية تضمنت بث رسائل مضادة لمتلازمة نقص المناعة المكتسب كل ساعة عبر 488 محطة إذاعية وست شبكات تلفزيونية.

2 - إرسال سيارة التثقيف الجنسي الجوالة حول المدارس كشكلٍ من أشكال تثقيف الأقران، ساعد فيه طلاب الجامعات على تعليم طلاب المدارس الثانوية.

3 - توفير العلاج المجاني للمرضى



4 - إلزام شركات التأمين بتغطية مرضى نقص المناعة المكتسب، ونتيجة للجهود الجبارة لكبح جماح المرض تراجعت أعداد المصابين في العام 2013 إلى 8100 مريض من 143 ألفاً في العام 1991.

ختاماً نعود لنقطة تاريخية بالوقاية من الأمراض وهي (الوقاية خير من العلاج) ونتمنى أن نركز عليها بدلاً عن استخدام أساليب الأفلام الهندية.