للسنة الرابعة على التوالي، احتفل الإسرائيليون رسمياً في 30 نوفمبر الماضي في القدس بما يسمى يوم الخروج وطرد يهود الدول العربية وإيران. كل ذلك وفقا للقانون الذي تم سنه في الكنيست عام 2014. حيث يتم إحياء ذكرى تراث «مليون»! يهودي عاشوا في البلاد العربية. يشكلون الآن هم وأحفادهم نحو نصف السكان في إسرائيل التي يزعم قادتها ومؤرخوها إن هزيمة الدول العربية في ما يسمى «حرب التحرير» 1948 أدت إلى أعمال شغب وقمع خطيرة ضد اليهود في الدول العربية، التي في أعقابها حدثت هجرة جماعية إلى البلاد. وفي أعقاب هزيمة ما يسمى «حرب الأيام الستة» 1967 حدثت أعمال شغب ضد الجاليات اليهودية التي بقيت هناك. وعلى نحو خاص في مصر والعراق وليبيا.

وزعم بوجود ما يسمى «النكبة اليهودية»، ودحض الادعاء الذي يفيد بأن اليهود عاشوا في هدوء في الدول العربية، ونعته بأنه ادعاء مضحك. بل زعموا أنه ربما يكون السبب في عدم طرح يهود الدول العربية على أنهم لاجئون يكمن أيضا في حقيقة أنهم أعادوا تأهيل أنفسهم في إسرائيل، وظروف حياتهم الصعبة في أماكن السكن غير الثابتة اختفت عن الأنظار. وكل ذلك مقابل الحفاظ على بؤس اللاجئين الفلسطينيين، بمساعدة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. فحكومات الدول العربية، حسب الزعم الإسرائيلي هي «المسؤولة عن مأساة الفلسطينيين، ولم تمكنهم من تأهيل أنفسهم لأنها تعتقد أن إعادة تأهيلهم ستساعد إسرائيل. يجب أن نذكر أن الفلسطينيين والدول العربية هم الذين بدؤوا المعركة ضد إسرائيل، وأنشؤوا مشكلة اللاجئين».

ويتساءل الإسرائيليون لماذا يوجد أكثر من 160 قرارا وإعلانا دوليا يؤيد اللاجئين الفلسطينيين، وليس هناك أي تطرق لليهود الذين خرجوا من الدول العربية. ويجب إعادة الحق لليهود الذين خرجوا من الدول العربية.

وأفاد الصحفي بن درور يميني بأنه تم تضخيم نكبة الفلسطينيين حتى باتت حدثا عملاقا، إلى درجة أنها تحول دون حل النزاع. وخلال الأربعينات من القرن الماضي كان التبادل السكاني وعمليات التهجير في سبيل إيجاد دولة قومية هما نهجين مألوفين، حيث مر بمثل هذه التجربة عشرات الملايين من البشر. ولكن الفلسطينيين وحدهم، يضخمون أسطورة النكبة يوما بعد يوم. بمعنى أن «الترانسفير» بأشكاله المختلفة كان أمراً مألوفاً.

 وزعم يميني أن الفرق الوحيد بين «النكبة اليهودية» والنكبة الفلسطينية، هو أن اليهود لم يحوّلوا نكبتهم إلى روايتهم المؤسِسة، بل عكس ذلك هو الصحيح، مشيراً إلى سلسلة كبيرة من «المجازر»! وأعمال النهب والسلب ومصادرة الأملاك والتهجير بحق يهود البلدان العربية الذين لم يعلنوا الحرب على أي من البلدان التي كانوا يقيمون فيها، بل كانوا «مواطنين أوفياء»!.

 وسوق يميني نظرية تفيد بأن الفلسطينيين هم أعداء أنفسهم، فنكبتهم هي من صنع قيادتهم، وتناسى عمداً أن النشاط الصهيوني في البلاد العربية هو الذي نقل يهود تلك البلاد من مواطنين مشكوك بولائهم نتيجة الأعمال التخريبية الصهيونية والموسادية في العراق ومصر، على سبيل المثال لا الحصر، (حادثة الفرهود، وفضيحة لافون) وإلى محتلين في فلسطين.

وعمدت الحركة الصهيونية منذ زمن طويل إلى تضخيم الحوادث الفردية البسيطة التي ترتكب ضد اليهود أو مؤسساتهم وإظهارها على أنها تشكل تياراً عاماً معادياً لليهودية، تطلق عليه اسم الموجات اللاسامية، وذلك لدفع اليهود إلى الانعزال والتقوقع وعرقلة اندماجهم في مجتمعاتهم، وبذلك يصبحون في بيئة مناسبة لتغلغل الدعاية الصهيونية بينهم وتهيئتهم للهجرة إلى إسرائيل التي صورتها الدعاية الإسرائيلية على أنها المكان المأمون الوحيد لليهود في العالم.

ولا بد من التذكير، بأن عملية إخراج العراقيين اليهود نظمها جهاز «الموساد»، وأطلق على اسم «عملية عزرا ونحميا» في إشارة إلى سفرين من أسفار التوراة، وعين مردخاي بن- بورات، العراقي المولد، ليقوم بتنفيذها. وقد وصف نوآم بن-يهودا، أحد عملاء الموساد في قبرص، هذه العملية بأنها ربما مثلت: دون غيرها أعظم الإنجازات لاستخبارات دولتنا. وعرف بن- بورات باسم (مراد أبو القنابل) من قبل العراقيين اليهود في إسرائيل، الذين يتهمونه بأنه كان وراء التفجيرات التي وقعت في بغداد أثناء تنفيذه لمهمته. وبمناسبة حصوله، في أبريل عام 2001، على جائزة إسرائيل لدوره المفصلي في هجرة اليهود العراقيين إلى إسرائيل قام بسرد قصة حياته.

ويتناسى قادة إسرائيل ارتكاباتهم بحق اليهود أنفسهم، وعلى نحو خاص يهود البلاد العربية. فقبل أشهر قليلة أحيت جمعية «شحريت» الإسرائيلية، ذكرى قضية «أطفال يهود اليمن المختطفين» التي ترجع إلى الفترة بين العامين 1948- 1954. وهي فترة تهجير يهود اليمن الذين قدر عددهم بما يزيد على الخمسين ألفاً. في عملية تهجير اسمها «بساط الريح» أو على «أجنحة الصقور». وأسكن هؤلاء اليهود عند تهجيرهم في «معابر»، أي مجمعات انتقال. ويلفت إسرائيليون بطريقة ماكرة ومغرضة إلى أن شعوب كثيرة أضرت باليهود على مر التاريخ، وعدد من هذه الشعوب اعتذر، وأحيانا حاول التكفير عن ذنبه. مثلا، البرتغال وإسبانيا قامتا بالاعتذار عن اضطهاد اليهود، والآن هم يمنحون جواز سفر لكل يهودي تم طرد عائلته من هناك. وألمانيا التي أبادت ثلث! اليهود، قامت بالتوقيع على اتفاق تعويضات مع إسرائيل، وتقوم بدفع تعويضات. وخلافا لذلك، الدول العربية ليست فقط غير مستعدة لدفع التعويضات لليهود الذين عاشوا فيها، بل هي أيضا غير مستعدة للاعتراف بالظلم الذي تسببت فيه لهم. لقد حان الوقت لتقوم هذه الدول ورؤساؤها بالاعتذار عن الظلم وتعويض الذين تمت مصادرة أملاكهم. وتستطيع إسرائيل المساعدة في إصلاح الظلم التاريخي الذي لحق بيهود الدول العربية، إذ أوضحت بصورة حاسمة أنها لن توقع على أي اتفاق لإنهاء النزاع مع الفلسطينيين أو الدول العربية طالما لم تتم تسوية موضوع اللاجئين اليهود من الدول العربية وأملاكهم المسلوبة.

ولعل الأمر المهم جداً هو أن يهود الدول العربية في إسرائيل لا يستحقون صفة لاجئين، فقد أصبحوا محتلين، نهبوا ممتلكات الفلسطينيين، وتنكرت غالبيتهم العظمى لبلدان المولد.

وتبدو مطالبة إسرائيل للدول العربية بالاعتذار ودفع تعويضات ليهودها الذين تنكروا لأوطانهم، وعلى نحو خاص منهم الذين تبنوا الصهيونية فكراً وممارسة، أمراً هزلياً يضع إسرائيل في منزلة الشيطان الذي يعظ، أو القاتل الذي يطالب ضحيته بالاعتذار له، والاعتراف بأن قتله لهم كان قتلاً رحيماً.