أطلقت مؤسستا «جائزة الملك فيصل» بالرياض، و«معهد العالم العربي» في باريس، ممثلا في «كرسي المعهد»، مشروعا للتعريف بـ100 عالم وباحث، من العرب والفرنسيين، ساهموا في تقديم إحدى الثقافتين للأخرى، تحت عنوان «مائة كتاب وكتاب».

وينشر المشروع كتبا عن باحثين ومثقفين، عرب وفرنسيين، بذلوا جهودهم لتعزيز مختلف أشكال الحوار الجاد والتفاعل الخلاق بين ضفتي المتوسط خلال القرنين الماضيين، وبفضل منجزاتهم الاستثنائية استحقوا الاحتفاء بهم، والكتابة عنهم، من أجل تخليد ذكراهم، والتعريف بهم لدى الأجيال التالية.

تم اختيار 60 شخصية عربية، و40 شخصية فرنسية، بعمل مهني متصل، بذلته لجنة علمية مشتركة على مدار أشهر.

حرصت اللجنة أن تكون الأسماء المختارة ممثلة، قدر الممكن، لمختلف الفترات التاريخية، والتخصصات المعرفية، والتوجهات الفكرية والإبداعية.

ووجهت المؤسستان الشكر الأوفر لرئيس هيئة جائزة الملك فيصل العالمية، الأمير خالد الفيصل، ورئيس المعهد جاك لانج، لدعمهما ومتابعتهما للمشروع.

 


كلود كاهن


أعد الدكتور عبدالستار الحلوجي وهو أستاذ متفرغ بكلية الآداب في جامعة القاهرة، له 14 مؤلفا، و3 كتب مترجمة عن الإنجليزية، وأكثر من 50 بحثا في الدوريات المتخصصة، وهو رئيس تحرير مجلة تراثيات، وحصل على جائزة الملك فيصل في الدراسات الإسلامية عام 1998، كتابا عن كلود كاهن المستشرق الذي تخصص في التاريخ واهتم خاصة بالحروب الصليبية، وبالتاريخ الاقتصادي والاجتماعي للعالم الإسلامي في العصور الوسطى، والذي حصل على الدكتواره في التاريخ 1940 وله 15 كتبا وأكثر من 200 بحث في الدوريات العلمية، فقال:

الحديث عن كاهن يستلزم بالضرورة مقدمة عن الاستشراق؛ ما له وما عليه. ذلك أن الاستشراق في أبسط معانيه هو اتجاه بعض الباحثين والعلماء الغربيين لدراسة الشرق؛ تاريخه ولغاته وآدابه ودياناته وشعوبه ومجتمعاته. وقد قُسِّم الشرق في نظرهم إلى شرق أدنى وأوسط وأقصى. فالأدنى، هو الأقرب إلى أوروبا، والأقصى، هو الأبعد.

ويحسب للمستشرقين أنهم اجتهدوا في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغاتهم، وأنهم أعدوا الكشافات التي تيسر الإفادة منه ومن السُّنة النبوية المطهرة.

وفي المقابل نجد أن بعض الكتابات الاستشراقية التي تناولت الدين الإسلامي والمجتمعات الشرقية وثقافاتها لم تخلُ من زيغ، ولم تسلم من هوى، بعضه وقع بحسن نيَّة، كأن يكون سببه عدم فهم النص العربي على وجهه الصحيح.

وهذا الكتاب عن مستشرق فرنسي متخصص في تاريخ الشرق الإسلامي. استوقفته الحروب الصليبية، فتلبث عندها طويلا، وجعلها بؤرة اهتمامه، وكتب عنها كثيرا، حتى باتت كتاباته عنها مراجع أساسية لتلك الحروب. كما انصرف لدراسة التاريخ الاقتصادي والإداري والاجتماعي للشعوب الإسلامية، وهو أمر لم يلق من غيره من المؤرخين العرب والأجانب ما يستحقه من اهتمام، ولذا تعد كتاباته في هذا المجال كتابات رائدة؛ سواء اتفقنا أو اختلفنا معه فيما ذهب إليه من تفسيرات وتحليلات.

ولسنا نبالغ إذا قلنا: إن كلود كاهن صاحب مدرسة متميزة في التاريخ للعالم الإسلامي، مدرسة لها منهجها الذي تلتزم به ولا تحيد عنه، مدرسة لا تقف عند ظواهر الأمور، وإنما تحاول أن تستبطنها، وأن تغوص في أعماقها بحثا عن أسبابها ودوافعها ومحركاتها، مدرسة تلزم نفسها بالرجوع إلى المصادر المعتبرة في لغاتها الأصلية، ولا تكتفي بما نشر لتلك المصادر من ترجمات.


كاهن مؤلفا


كلود كاهن مستشرق فرنسي يهودي. ولد في باريس في 26 فبراير 1909، وتوفي بها في 18 نوفمبر 1991.

درس في ليسيه لويس لوجران، وبعد أن أنهى مرحلة الدراسة الثانوية التحق بدار المعلمين العليا، ثم بكلية الآداب في جامعة باريس، حيث حصل على الدرجة الجامعية في التاريخ سنة 1932. ثم التحق بالمعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية، حيث درس تاريخ الشرق الأوسط، وأجاد عددا من اللغات السامية.

انضم في شبابه للحزب الشيوعي الفرنسي وظل عضوا فيه حتى سنة 1960.

بدأ حياته الوظيفية مدرسا في المدارس الثانوية، وحصل على الدكتوراه في الآداب في عام 1940، وعُيِّن أستاذا للتاريخ الإسلامي بكلية الآداب في جامعة استراسبورج من 1945 إلى 1959، ثم انتقل إلى السوربون. وانتدب أستاذا زائرا بجامعة ميتشجان في آن آربر بالولايات المتحدة الأميركية سنة 1967. وعين أستاذا في جامعتي باريس الأولى وباريس الثالثة في الفترة من 1970 إلى 1979.

حصل على جائزة شلومبرجر التي تمنحها الأكاديمية الفرنسية للنقوش والآداب 1945، وتولى رئاسة تحرير مجلة التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للشرق 1957.

تميز كاهن بغزارة إنتاجه وتنوع هذا الإنتاج.

وقد بدأ اهتمام كاهن بالحروب الصليبية برسالته التي تقدم بها للحصول على درجة الدكتوراه 1940، وموضوعها: شمال سورية في عصر الحروب الصليبية، ومن بعدها تتابعت بحوثه عن تلك الحروب، فنشر في سنة 1954 بحثا بعنوان مدخل إلى الحملة الصليبية الأولى، وشارك بكتابة فصول من كتاب تاريخ الحروب الصليبية الذي نشر في عامي 1955و1962. وفي سنة 1983 أصدر كتابه الشرق والغرب زمن الحروب الصليبية.

وفي كتاباته عن تلك الحروب نراه ينص صراحة على أنه لا يكفي الرجوع إلى ما كتبه الأوروبيون عنها، وإنما ينبغي أن نسمع وجهات نظر الطرف الآخر في هذه الحرب، وهم العرب، وهو يقرر أن الحروب الصليبية، وإن كانت مبادرة أوروبية انطلقت من الغرب، وأن الغرب وإن كان هو الأقدر على دراستها، فإنه في اللحظة التي وطئت فيها هذه الحملات أرض المشرق يصير من حق الشرقيين أن يقوموا بدراستها.

ومع ذلك فإن على كاهن مآخذ عدة في كتبه التاريخية، حيث وقع خلال دراساته وكتبه بأخطاء عدة، لا يمكن تجاوزها أو غض الطرف عنها، وهي أخطاء علمية وتاريخية فادحة خصوصا ما تعلق منها بتدوين القرآن وأن العرب لم يكن أمامهم سوى الدخول في الإسلام متجاهلا أن القرآن يقول «لا إكراه في الدين».


كاهن محققا


كان طبيعيا لمستشرق متخصص في التاريخ الإسلامي في قامة كاهن ألا يكتفي في كتاباته بالرجوع إلى المصادر العربية المطبوعة، وأن يبحث في التراث المخطوط الذي لم ينشر بعد عن كل ما له صلة بالموضوعات التي يكتب فيها، عله يجد فيها ما يوضح غامضا أو يكمل ناقصا. وكان طبيعيا أن تكون المخطوطات العربية في أوليات اهتمامه. وقد رجع الرجل إليها، وأفاد منها، وأثرى كتاباته التاريخية بما أمدته به من معلومات؛ وقد نشر بعض النصوص العربية المخطوطة التي رجع إليها، والتي لم يسبق نشرها، فأسهم بذلك فيما يعرف بعلم تحقيق النصوص.

ونشر كاهن سنة 1938 في المجلة الآسيوية موجز تاريخ العظيمي، وفي مجلة المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة صفحات تاريخ قديمة عن آخر الخلفاء الفاطميين.

وفي سنة 1948 نشر في مجلة المعهد الفرنسي بدمشق تبصرة أرباب الألباب في كيفية النجاة في الحروب من الأسواء، وهي رسالة في الأسلحة، كتبها الطرسوسي لصلاح الدين الأيوبي. وفي سـنة 1950 نشر في مجلة كلية الآداب باستراسبورج نصـا لسعد الدين محمد بن حمويه الجويني يتصل بالحروب الصليبية. وفي العام التالي نشر في مجلة الفنون الإسلامية وثائق عن بعض الصناعات العراقية في أوائل القرن الـ11.

ونشر في مجلة المعهد الفرنسي بدمشق نصا عن الري في العراق في مطلع القرن الـ11 مقتطفا من كتاب الحاوي للأعمال السلطانية ورسوم الحساب الديوانية.

وفي سنة 1952 نشرت له مجلة مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن رسائل ضياء الدين بن الأثير الجزري. وفي عام 1958 نشر أخبار الأيوبيين للمكين بن العميد في مجلة المعهد الفرنسي بدمشق. وفي سنة 1960 نشر في مجلة المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، مقتطفات من كتاب تجريد سيف الهمة لاستخراج ما في ذمة الذمة لعثمان بن إبراهيم النابلسي، كما نشر أبحاثا أخرى كثيرة من نصوص التراث العربي، وهي تدل على أن صلته بهذا التراث بدأت منذ بواكير حياته العلمية، واستمرت حتى سنوات عمره الأخيرة.

وإذا كنا نقول بملء الفم إن كاهن يرجع له الفضل في نشر نصوص متخصصة كانت مجهولة، فأخرجها إلى الضوء بعد أن كانت مخطوطات حبيسة على رفوف المكتبات التي تقتنيها، وبذلك أتاحها للباحثين، فإن من الصعب أن نقول إن الرجل قد حققها بالمعنى الدقيق لكلمة «التحقيق»، وبالأسلوب الذي تواضع عليه محققو كتب التراث العربي. فهو قلما ينشر نصا كاملا، وإنما يبيح لنفسه أن يختار من المؤلفات التي يتصدى لنشرها ما يراه مهما من وجهة نظره فينشره ويهمل بقية النص. وذلك غير مقبول في مجال التحقيق.


كاهن ببليوغرافيا


الببليوغرافيا في أبسط معانيها هي حصر الإنتاج الفكري في موضوع معين. ومن حق الببليوغرافي أن يحدد أنواع أوعية المعلومات التي يغطيها (كتبا كانت، أو مقالات دوريات، أو أحاديث إذاعية، أو غيرها). ومن حقه أن يحدد اللغات التي سيغطيها، وأن يحدد فترة زمنية أو منطقة جغرافية معينة لا يتجاوزها، شريطة أن يوضح تلك الحدود وطريقة تنظيم المادة التي جمعها في مقدمة عمله الببليوغرافي.

وللمستشرقين جهود قيمة في هذا المجال.

ولقد تنبه كاهن منذ بداية حياته العلمية إلى أهمية الأدوات الببليوغرافية، فنشر في سنة 1936 دراسة عن تواريخ العرب المتعلقة بسورية ومصر والعراق منذ الفتح العربي إلى الاحتلال العثماني في مكتبات أسطنبول، وفي سنة 1982 نشر في باريس كتابا بعنوان مدخل لتاريخ الشرق الإسلامي في العصور الوسطى من القرن السابع إلى القرن الخامس عشر: المنهجية والضبط الببليوغرافي رصد فيه المؤلفات التي نشرها المستشرقون عن العرب والمسلمين في اللغات الفرنسية والإنجليزية والألمانية وغيرها. ونشر فيه مصورات لوثائق ونقوش ومسكوكات تتعلق بتاريخ العرب والمسلمين.

والكمال في الأعمال الببليوغرافية ضرب من المستحيل، لسبب بسيط جدا هو عجز أي فرد مهما بلغت إمكاناته عن الوصول إلى كل ما نشر في الموضوع الذي يتناوله. يضاف إلى ذلك أن المطابع في الشرق والغرب تقذف كل يوم بالآلاف من الكتب والدوريات التي لم يكن من السهل متابعتها في زمن كلود كاهن. وهذا هو السبب فيما يصيب الأعمال الببليوغرافية من تقادم، وما تحتاج إليه من تحديث مستمر. ولهذا لا نستطيع القول إنه غطى كل ما صدر في مجاله، وله بعض العذر في ذلك، فكتابه موجه للقارئ الغربي بالدرجة الأولى، وللقارئ الفرنسي بصفة خاصة. وهذا القارئ – في معظم الأحوال – قد يتعذر عليه قراءة نصوص بغير الفرنسية، وقد تستعصي عليه النصوص المكتوبة باللغات الشرقية، عربية كانت أو فارسية أو تركية.

والكتاب ليس قائمة ببليوغرافية بالمعنى الدقيق للكلمة، فالقوائم الببليوغرافية ترتب – عادة – ترتيبًا موضوعيًا، وتحت كل موضوع ترتب هجائيًا بالمؤلف أو بالعنوان، وتلتزم بذكر بيانات معينة عن كل عمل تحصيه كالطبعة، ومكان النشر واسم الناشر، وتاريخ النشر، وعدد الصفحات، وغير ذلك مما يسمى ببيانات الوصف الببليوغرافي. وتختم عادة بكشافات هجائية تيسر الوصول إلى دقائقها المطمورة في ثناياها.


 مقتطفات من كتاباته


يقول كاهن «علينا أن نحذف كلمة «استشراق» من قاموسنا. فليس هناك نوعان من البشر، الأول شرقي والثاني غربي، وإنما البشرية هي واحدة في جوهرها. العلم واحد للشرقي كما للغربي. هناك فرق واحد فقط فيما يخص المستشرق، هو أنه ينبغي عليه أن يبذل بعض الوقت والجهد لكي يتعلم إحدى اللغات الشرقية أو عدة لغات؛ لأنه لم يكتسبها عن طريق الولادة... وينبغي علينا بكل بساطة أن نسقط كل الجدران العازلة التي تفرق بيننا.

يقول في موضع آخر «لظهور الإسلام وانتشاره مظهر المعجزة. فبوثبة دين جديد توحد شعب كان إلى ذلك الحين مجهولا تقريبا، واستطاع في غضون بضع سنين أن يحتل الإمبراطورية الساسانية برمتها، وجملة المناطق الآسيوية والأفريقية – باستثناء الجزء الغربي من آسيا الصغرى – التي كانت تحت سيطرة الإمبراطورية البيزنطية، ليضم إليها فيما بعد القسم الأكبر مـن إسبانيا وصقلية، كما ضم – ولو لفترات قصيرة – مناطق أخرى من أوروبا، ودق أبواب الهند والصين وإثيوبيا والسودان الغربي وبلاد المغول والقسطنطينية. انهارت أمامه الدول القديمة، ومن سيحون إلى السنغال بدأت الأديان التي كانت سائدة تتلاشى أمام الدين الجديد.. وتعد الحضارة الجديدة التي انبثقت عن هذه الفتوحات من أكثر الحضارات تألقًا، وقد غدت فيما بعد، ولاعتبارات عديدة، مرشدةً للغرب، بعدما استوعبت هي ذاتها، وأحيت قسطا كبيرا من التراث القديم.

يصعب علينا اليوم أن نقدر حق قدره رجلا كان من جهة أولى مؤسس دين عظيم جديد، وشديد الارتباط بعصره من جهة ثانية. في نظر المسلم العادي، محمد رسول الله، نبي مختار ليبلغ الرسالة إلى الناس. وعلى الرغم من التجميل الذي حفلت به الأحاديث النبوية المتأخرة، فإن محمدا ليس إلا بشرا، وهو مثال الإنسان ولا ريب، وليست له أي صفة إلهية. والمؤرخ المنصف يرى أن محمدا من الشخصيات العظيمة المتفوقة، فقد استطاع بصدق وبشجاعة لا مثيل لهما، أن يرفع في آن معا، مستوى الحياة الأخلاقية والمستوى الفكري للناس الذين عاش بينهم، وأن يجعل رسالته متلائمة مع طبائع هؤلاء الناس ومع تقاليدهم، وبتفهم وحسّ تنظيمي عميق من شأنهما أن يضمنا لها السلامة والفوز. إن ما ندرك وجوده لدى محمد من رفعة في التفكير ومن قوة في التغلب على العقبات البشرية وعلى العوائق الذاتية، لا يمكن إلا أن يترك تأثيرا بالغا في النفوس وينتزع منها الإكبار والإجلال».