تواجه الصحافة المطبوعة منافسة شرسة من قنوات التلفزيون الإخبارية والإنترنت، وأصبح الحصول على الأخبار بمنتهى السهولة وبشكل مجاني، ويمكن معرفة الأخبار العاجلة عن طريق تويتر، وهذا ساهم في عزوف القراء عن متابعة الصحف الورقية التي تعيد نشر أخبار الأمس لقارئ يبحث عن التحليلات العميقة والمحتوى التفاعلي، وبالتالي تراجعت مبيعات الصحف وإيراداتها الإعلانية. أزمة الصحف الورقية ظاهرة عالمية، وعلى سبيل المثال هناك أكثر من 600 صحيفة ورقية في أميركا أعلنت عن إفلاسها وخرجت من السوق خلال السنوات الماضية.. نحن نتحدث عن نسبة الثلث من العدد الإجمالي للصحف الأميركية البالغ عددها 1800 صحيفة، وهناك تراجع واضح للصحافة الورقية في العالم العربي، ولم يعد أمام المؤسسات الصحفية إلا انتظار طوق النجاة من الحكومات أو رفع الراية البيضاء والتوقف عن الصدور ورقيا كما فعلت أكثر من صحيفة. في المقابل هناك تجارب ناجحة في صناعة المحتوى الرقمي مثل صحيفة النيويورك تايمز، التي احتفلت أخيرا بوصول عدد المشتركين في موقعها الإلكتروني إلى 4 ملايين قارئ مع إيرادات تجاوزت 700 مليون دولار أميركي، واستفادت من هذه المداخيل الجديدة في تغطية تكاليف تشغيل الصحيفة الورقية. وفي دول الخليج العربي، ارتفع حجم الإنفاق على الإعلانات الرقمية في مواقع الإنترنت إلى 40% مقارنة بـ8% قبل خمس سنوات، وهذا حافز كبير للاستثمار ومؤشر لنمو هذا القطاع في المستقبل. للأسف كانت رحلة التحول الرقمي في صناعة النشر المحلية مجرد تغييرات شكلية، والتحول الرقمي لا يعني استخدام التقنيات الحديثة وتصميم منصات متوافقة مع الموبايل، المسألة لها علاقة بالتركيز على فهم القاعدة الاقتصادية ـ العرض والطلب ـ حيث نرى خيارات الناشرين (العرض) غير متوافقة مع رغبات جيل الإنترنت من القراء (الطلب)، وذلك يعود إلى إدارة التحرير الهرمية الصارمة التي فشلت في الاستجابة للتغييرات في صناعة المحتوى، وابتكار حلول إبداعية جديدة، وعدم إدراك الاختلاف الكبير بين ذائقة قراء الصحيفة الورقية وبين اهتمامات جيل الإنترنت الذي يبحث غالبا عن المحتوى الشيق والتفاعل المباشر، واعتبار موقع الصحيفة على الإنترنت قناة لتوزيع المحتوى الورقي فقط. الأمر يتعلق بفهم ما يريده القارئ في المستقبل وليس فقط ما يريده اليوم، لا فائدة من تجميع أخبار الأمس ونشرها، المطلوب تحليل الوقائع والتداعيات وتأثيرها المستقبلي، ومتابعة تجليات الثقافة الشعبية والتيارات الجديدة في مجالات الفنون والتقنية والاقتصاد. اليوم لا توجد خيارات أخرى، إما التطور أو الفناء. المستقبل لمن يستثمر في ابتكار محتوى رقمي تفاعلي لجيل الإنترنت، ويعمل على تطوير موقع الصحيفة الشبكي، وإيجاد مصادر جديدة للإيرادات عن طريق الاشتراكات وتنظيم الفعاليات، واستقطاب المواهب وتوطين أقسام التسويق والمبيعات. بالنسبة للصحف الإلكترونية التي يتجاوز عددها 700 صحيفة إلكترونية في السعودية، تعتمد على نسخ الأخبار بطريقة مدرسية، ويغلب على القائمين عليها نقص الخبرة وعدم الخروج من الصومعة والتعاون مع الآخرين، لأن ثقافة العمل الجماعي غائبة، ولا يوجد تمويل أو حاضنة للمشاريع الجديدة في مجال الإعلام الرقمي. نحتاج إلى إعادة التفكير (Mindset Shifts)، والتوقف عن القتال من أجل بقاء الصحافة الورقية على قيد الحياة، والتركيز على الصحافة الرقمية لأنها أصبحت ضرورة إستراتيجية، والعمل على تدريب الشباب على مهارات صناعة المحتوى المتخصص، وتعلم تقنيات السرد القصصي، وإنشاء خرائط تفاعلية، والتعرف على وسائل التأكد من الأخبار المزيفة، ومعرفة طرق التحقق والتوثيق لاكتشاف التلاعب في تلفيق الصور ومقاطع الفيديو. من المهم المبادرة في التجديد والاكتشاف، والاستمرار في تجريب تقنيات جديدة مثل صحافة البيانات، وحضور الملتقيات المفيدة ومقابلة أشخاص مبدعين في مجال الصحافة الرقمية، من أجل الحصول على طاقة إيجابية من التفاؤل والإلهام، كل ذلك سوف يساعد الصحف لدينا للبدء والانطلاق بحماس في مشاريعها المستقبلية، والاستفادة من منتجات التقنية وأحدثها تطبيق (+News) من شركة Apple الذي يساعد القارئ على الوصول إلى أكثر من 200 مجلة وصحيفة.