قبل أيام قامت شركة أوبر بالاستحواذ على شركة كريم لتوجيه التوصيل بمبلغ 3.1 مليارات دولار، أي ما يقارب 11 مليارا و625 مليون ريال سعودي! كما يعرف كثيرون فإن كريم كشركة بدأت بثلاثة شركاء (أحدهم سعودي) قبل 7 سنوات في دبي بمبلغ يقارب 100 ألف دولار فقط!.. تصور 100 ألف دولار، وخلال سبع سنوات تضاعف الرقم حسابيا تقريبا إلى 30 ألف مرة (الله يرزقهم ويبارك لهم). تصور عزيزي القارئ لو أن أحدهم أتى قبل سبع سنوات إلى الوزارات لدينا، وعنده نفس الفكرة وعرضها عليهم.. الآن تصور السيناريو الخيالي الآتي، «هل سيقولون له: ما عندنا في الخدمات أو السيستم شيء زي كذا!.. وكان رده الموظف من عند الباب، وقال::هذا اللي باقي، توجيه سيارات التوصيل، وكان تفلسف عليه المدير في الدائرة وقال له: ما نعطي تصاريح لكذا شركات خيالية تعتمد على تطبيق! وين سياراتكم؟! وكان الموظف سهر بالاستراحة، وقال لأخوياه اليوم مر علينا واحد يبقى ترخيص على شيء (تطبيق افتراضي توصيل في الجوال)، ما أعرف من وين يجون بهذه الأفكار! وضحك مع بقية أصدقائه!». طبعا معروف أن كثيرا من الأفكار الناجحة التي غيّرت العالم كانت أفكارا إبداعية بكرا، ولم يكن الناس يعونها أو يفهمونها، لكن أي مكان يستقبل الأفكار الإبداعية البكر سينجح ويحصد العسل والرفاه. أميركا هي أعظم دول العالم، ومن أهم أسباب قوتها وتقدمها أنها تتقبل الأفكار الجديدة البكر حتى لو كانت غريبة. «لو أقول لواحد منكم قبل سنوات في شيء اسمه كتاب الوجه (فايس بوك) وقيمته مئات المليارات لحلف أن الموضوع كذبة!. موضوع مقالي عن الموظف أو المسؤول الحكومي وسأسميه (أبو ملف علاقي أخضر)، هذا الموظف يذكرنا في موظف قبل 30 سنة لما جاه الملف قال ليه حاط الصور على يمين الملف العلاقي، حطها على اليسار.. ببراءة سألنا وش الفرق وما الهدف، فرد أحد الموظفين الكبار: النظام عندنا الصور تدبس على اليسار، وأيّده الموظف الأصغر بمدحه»شوفوا الخبرة تتكلم!«، طبعا خبرة الموظف لسنين كانت أن الصور على يسار الملف العلاقي الأخضر.. مع الوقت عرفنا أن البعض من موظفي الدوائر الحكومية خبرته 20 سنة أو تزيد عبارة صادر ووارد والختم فوق ولا تحت، يعني خبرة شهرين معادة لعشرين سنة!». لما جاءت رؤية 2030، بل أسميها ثورة 2030، بقيادة ولي العهد أبو سلمان التي يريد بها أن ينقل السعودية مسافات ضوئية إلى الأمام والتطور، فإن الموظف نفسه أبو ملف علاقي تعلق بالرؤية، وهو نفس العقلية القديمة لكن غير المصطلحات، بدل ما كان يقول «السيستم خربان تعال بكرا» أصبح يقول «انتظر لبكرا نكلم الشركة الاستشارية».. غيّر المصطلحات، ولكن العقلية بقيت أبو ملف علاقي أخضر! يقول بعض الأصدقاء الذين يتعاملون يوميا مع بعض الدوائر الحكومية، إن بعض المسؤولين لدينا يضع شعار الرؤية الزاهية، ولكن العقلية عقلية أبو ملف علاقي، «هذا حسينوه وهذه خلاقينه!». ربما قلتها سابقا، قبل الرؤية كنت أحاول عرض أفكار الذكاء الصناعي والروبوتات والتقنية الحيوية في الوطن على بعض المسؤولين، وكنت أحاول إقناعهم أنها المستقبل، وكان يردون أن هذا ليس من اهتماماتهم، وبعد الرؤية أصبحوا هم أنفسهم يتشدقون بالذكاء الصناعي والروبوتات، فلما قلت لهم هذا ما كنا نطالب فيه وكنتم ترفضونه، قالوا فهمتنا غلط، المشكلة الإيميلات والردود ما زالت عندي، لكن لا يهم، المهم هو أن البلد بدأ العمل على هذا المسار. قد أبدو في أكثر كتاباتي من أكثر المتحمسين للرؤية الفذة لولي العهد، والتي تحمل كثيرا مما طالبنا فيه لسنوات.. أبو سلمان يريد نقل البلد والمواطنين إلى حدود السماء، وهي تشجع الشباب الذين أفرح فيهم وأعدهم كنز الرؤية، لكن بصراحة بعض العقليات ما زالت أبو ملف أخضر علاقي.. انظروا عقليات بعض مديري الجامعات السعودية، وانظروا إلى بعض عقليات دبلوماسيينا، وانظروا لبعض موظفي الوزارات، عقلية أبو ملف علاقي بس طابع شعار الرؤية على مكتبه! يا عزيزي الرؤية هي تفكير وأقوال وأفعال وليس فقط شعارات. حاليا يقول بعض الإخوان الذين عندهم أفكار جديدة خلاقة حين يأتي المسؤول الحكومي يشرح له فكرته بكل حماس فإنه يسأله: «طيب طبقت الفكرة سابقا؟ فيرد: لا هي فكرة جديدة، فيرد المسؤول بعدم الاهتمام». يا عزيزي إذا طبقت الفكرة سابقا فإنها ليست فكرة بكرا، ولن تتم الاستفادة منها بالشكل المطلوب، بل تكون الطيور قد طارت بأرزاقها!.. هم يريدون أفكارا مقلدة ويطلقون عليها أفكارا جديدة.. ربما جديدة على عقليته أبو ملف علاقي، فلم يصل فكره إلى هذه المرحلة. لا يعلم موظف أبو ملف علاقي المتدثر بالرؤية أن تطبيقات افتراضية للتوصيل وظفت وأمنت دخلا لحوالي 500 ألف سعودي في بعض التوقعات.. نعم نصف مليون سعودي، وهذا الرقم الذي لم يقدر عليه عشرات المسؤولين الكبار والصغار الذين تولوا ملف التوظيف. ما زلت أتصور أبو ملف علاقي يضحك في الاستراحة على فكرة تطبيق توصيل بالجوال، وهم ما عندهم ولا سيارة واحدة! ناس فاضية تخترع تطبيقات!!.