فيما أعلن وزير الدفاع السوداني ورئيس اللجنة الأمنية العليا، الفريق أول، عوض بن عوف، اقتلاع نظام عمر البشير والتحفظ على رأسه في مكان آمن وتعطيل الدستور، قال مراقبون إن ارتفاع سعر الخبز والدقيق وتضاعف الدولار، والتي تسببت في احتجاجات واسعة بدأت في 19 ديسمبر 2018، كانت سببا رئيسيا في سقوط نظام البشير، مشيرين إلى أن حدة التوتر بين السودانيين والحكومة تصاعدت بعد أن ارتفع سعر الرغيف من جنيه واحد إلى ثلاثة، بالإضافة إلى ندرة دقيق الخبز والسيولة النقدية. وأضاف المراقبون أن المصارف في السودان حدت من سحب المواطنين لأموالهم، مبررة ذلك بعجزها عن توفير السيولة النقدية، الأمر الذي جعل الطلاب يخرجون في مظاهرات عمت أرجاء البلاد، احتجاجاً على ارتفاع سعر الخبز والوقود وغيرها من المواد الاستهلاكية الأساسية. وقال المراقبون: «على الرغم من وعود البشير، بالقيام بإصلاحات، إلا أن ذلك لم يثنِ عزم المتظاهرين واستمرت الاحتجاجات إلى أن تمت الإطاحة به».



مظاهرات الشباب

وحسب المراقبين، فقد كان الحد الأدنى الشهري للمعيشة في السودان سابقاً 1000 جنيه في الأحوال العادية، لكن ارتفع هذا الرقم إلى ثلاثة أضعاف بعد موجة ارتفاع الأسعار الأخيرة، ما أدى إلى خروج العديد من الشباب في مظاهرات في الخرطوم ومدن أخرى، مثل عطبرة وأم درمان وغيرها. وبلغت نسبة التضخم 70 % في السودان الذي يعاني من أزمة اقتصادية منذ عام 2011، وهو العام الذي انفصل فيه جنوب السودان عن السودان الشمالي، الذي كان يؤمن 80% من موارد العملة الأجنبية التي كانت تأتي من إيرادات النفط. وتزامن ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية مع تطبيق موازنة 2018، التي أقرت زيادة سعر الدولار إلى 18 جنيها، مقابل 6.9 جنيهات في موازنة عام 2017. كما باتت أعداد ماكينات الصراف الآلي التي تعمل في العاصمة الخرطوم محدودة، إذ لا تسمح للمواطنين بسحب أكثر من 10 دولارات في اليوم الواحد خشية قيامهم بتحويل مدخراتهم إلى عملات أجنبية. وأشار المراقبون إلى أن أحد أسباب زيادة أسعار القمح هو توقف الحكومة عن استيراد القمح وتكليف القطاع الخاص بتلك المهمة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار كيس القمح الذي يزن 50 كيلو جراما من (24 دولارا إلى 65 دولارا) للكيس الواحد، الأمر الذي دفع ببعض أصحاب المخابز إلى إغلاقها، بسبب ارتفاع تكاليف إنتاج الخبز.

تقلبات البشير

خلال العقود الثلاثة الماضية، بنى البشير علاقات مع جميع اللاعبين الدبلوماسيين في المنطقة، وذلك من خلال سلسلة من التقلبات الخارجية المذهلة في بعض الأحيان. ففي تسعينيات القرن الماضي، استضافت الحكومة السودانية زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، إضافة إلى تطوير علاقتها مع إيران قبل أن تقرر قطعها عام 2016، وفي أكتوبر 2017، أسهم التعاون المتزايد مع واشنطن على رفع الحظر التجاري الذي فرضته الولايات المتحدة على السودان منذ عقود، على رغم من احتفاظ واشنطن بالسودان على قائمتها السوداء «للدول الراعية للإرهاب»، إلى جانب إيران وكوريا الشمالية وسورية. وفي ديسمبر 2018، زار البشير دمشق والتقى برئيس النظام السوري بشار الأسد في أول زيارة يقوم بها رئيس عربي إلى دمشق منذ اندلاع الحرب عام 2011. ورغم أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لم تؤيد بشكل علني عمر البشير، المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم الحرب، بما في ذلك الإبادة الجماعية في دارفور، إلا أن هذه الدول عملت على «بقاء استقرار السودان»، لأن عدم الاستقرار قد يؤدي إلى موجة جديدة من المهاجرين السودانيين نحو أوروبا.