لو كان صياغة الباطل، على شكل نكات مضحكة لمجرد المزاح والضحك والترويح عن النفس والسخرية بالآخرين، لكان ضرر ذلك محدودا ربما على قائله، لأنه لا يضر إلا نفسه، وقد يكون المسخور منه خيرا من الساخر، كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بالألقاب بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَان وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُون)، ولكن الأخطر عندما يكون من نتائجه ترسيخ الباطل، والتنفير من الحق، ودعم الإرهاب، وبالتالي الضرر على البلاد والعباد.

ومن أمثلة ذلك: قول بعضهم على سبيل المزاح والضحك والطرفة (الدين عند أهل تلك الجهة قليل، ولذلك لا يوجد الإرهاب عندهم، فالذي نفعهم قلة الدين)، يقولون ذلك وهم يضحكون، كما هو مشاهد في كثير من المجالس، وكأن الإرهابي هو قوي الإيمان والدين.

وفي نظري أن هذا القول خطير جدا، ومكمن خطورته أمران: الأول، إنه قول داعم للإرهاب، والثاني أن كثيرا من الناس، أو أكثرهم، لا يُنكرون على قائله مع الأسف لكونه قاله على سبيل الضحك والمزاح الساخر، وبذلك يرسخ معناه عند الأجيال، ويكون له آثار سيئة لا تحمد عقباها.

إن المتابعين لسياسات الدول والمنظمات يعلمون أن بعض الدول تستخدم سلاح الطرفة الساخرة ضد خصومها، فالبريطانيون على سبيل المثال لما رأوا قوة الصعايدة في مصر، وقوة شكيمتهم ورجولتهم، أرادوا إسقاطهم إبان الاحتلال البريطاني، فاستخدموا سلاح النكتة ضدهم وأنهم ذوو غباء، وصار ذلك متداولا، حتى رسخ هذا المعنى عند بعض الناس، فإذا سمعوا بالصعايدة تبادر لذهنهم ما نقل عنهم من نكات كاذبة خاطئة.

وأحيانا تستخدم النكت الساخرة بحسن نية من مستخدمها، وبسوء نية من مخترعها، مع أن لها مدلولات تثير الفتن وتحدث الانقسام وتدعو للفرقة بين الراعي والرعية.

فصناعة النكات والطرف، وسبك المصطلحات، لها منظمات وهيئات في كثير من دول العالم، وذلك للإفادة منها في حروبهم، جنبا إلى جنب مع السلاح العسكري، باعتباره سلاحا نفسيا مؤثرا.

وأحيانا تقتصر بعض الدول على هذا السلاح الناعم، فتبثه في أي مجتمع تريد الإساءة إليه، ويكون من نتيجته صناعة الإحباط، وفقد الثقة، فيكونوا حينئذ كُفُواً المؤنة، لأن خصومهم صاروا (يخربون بيوتهم بأيديهم)، وتنتشر بينهم السخرية والعنصرية ودعاوى الجاهلية، وبالتالي وجد الأعداء ثغرة في المجتمع، فنفذوا من خلالها، وكيف لا ينفذون وقد وجدوا من يسمع لهم، ويروج كذبهم، وصدق الله القائل (وفيكم سماعون لهم).

لقد تنبه إلى هذه الملحظ الملك العبقري الإمام المؤسس عبدالعزيز، رحمه الله، فقال (إن البناء المتين الصلب لا يؤثر فيه شيء مهما حاول الهدامون هدمه إذا لم تحدث فيه ثغرة تدخل فيها المعاول، وكذلك المسلمون لو كانوا متحدين متفقين لما كان في مقدور أحد خرق صفوفهم وتمزيق كلمتهم، في بلاد العرب والإسلام أناس يساعدون الأجنبي على الإضرار بجزيرة العرب والإسلام، وضربها في الصميم، وإلحاق الأذى بنا، ولكن لن يتم لهم ذلك -إن شاء الله- وفينا عرق ينبض).

فلنحذر من ترديد نكات وطرف لا خير فيها، بل فيها شر وبلاء، وهي ما يريدها الأعداء، فقول بعض الناس إن أولئك القوم ضعيف تدينهم بسبب عدم وجود الإرهاب فيهم، هو قلب للحقيقة تماما، وبالتالي إساءة للدين وإساءة للوطن، أما إساءته إلى الدين، فلأنه جعل حدوث الإرهاب الإجرامي بسبب التمسك بالدين، وهذا كذب وافتراء، فالدين الإسلامي ينهى عن الغلو والتطرف والإرهاب، فهذا القول - وإن كان على سبيل النكت والمزاح الذي يزيح عن الحق - إلا أنه من أكبر الجناية على الدين.

وأما إساءته إلى الوطن: فلأنه يشجع الإرهابيين الذين يفسدون في الأرض، ويزعزعون أمن البلد، لكونهم - بزعم مخترع تلك النكتة - ما فعلوا ذلك إلا لقوة إيمانهم وتدينهم، وفي المقابل يسخر بأهل الاعتدال والوسطية من المتمسكين بالدين الصحيح الذي شرعه الله، لكونهم - بزعم مخترع النكتة - ما تركوا الإرهاب، وزعزعة أمن البلاد والعباد إلا لضعف إيمانهم وتدينهم.

إن إطلاق مثل هذه النكات الكاذبة الخاطئة، مع أنها تخالف الكتاب والسنة والعقول السليمة، يخدم أعداء الإسلام والمسلمين، ولها من العواقب السيئة على البلاد والعباد ما لا تحمد عقباه، ولو على الأمد البعيد.

إن الواجب أن يُمقت أهل الإرهاب والإجرام، لا أن يُعتَذر لهم بهذه النكت التي تضر ولا تنفع.

وقد سرني أن أحدهم لما قيلت له تلك النكتة، أجاب قائلها بقوله «الإرهاب والإجرام هو تدين الخوارج الإرهابيين»، وهو بحمد الله كما تفضلت ليس فقط قليلا عندنا، بل معدوم، والذي عندنا هو دين الله الذي يأمر بالعدل والإحسان والسماحة وحفظ الأمن، وما يفعله الإرهابيون ليس هو دين الله، وليسوا هم بإرهابهم متدينين، بل مخالفون لدين الله ورسوله، فلا تَلْبس الحق بالباطل.

إطلاق النكات الكاذبة الخاطئة، مع أنها تخالف الكتاب والسنة والعقول السليمة، يخدم أعداء الإسلام والمسلمين، ولها من العواقب السيئة على البلاد والعباد ما لا تحمد عقباه