بالفعل ستجد أن لدينا مرضى نحن مسؤولون عن إنتاجهم للمجتمع، أما ما يقصد هنا بوصف النامية: فهي الدول التي لديها المواد الأولية كالحديد الخام والخشب، وغيرها من المواد الطبيعية، ولكنها لا تستطيع تحويلها إلى صناعات قابلة للاستخدام المباشر، لذا تقوم هذه الدول بتصديرها لدول لديها القدرة على ذلك، ومن ثم تشتري تلك المواد التي كانت لديها أصلاً بأضعاف مضاعفة بعد تحويلها إلى صناعات قابلة للاستخدام.

وإذا ما قمنا بتطبيق القاعدة أعلاه على المرضى لدينا، سنجد أننا ليسوا بعيدين عن الوصف أعلاه، ولكن دون أن تغادر موادنا الأولية حدود بلادنا، فنحن من جذب تحالفات منتجي الأدوية إلى بلادنا، حيث وجدوا بيننا بيئة ذهبية لهم، وقمنا بتهيئة عقول الأصحاء قبل المرضى لبهرجتهم التسويقية، وبعد استنزاف مواردنا المالية فقد وصلوا إلى مواردنا البشرية.

في المشهد البسيط، ولأن شركات الأدوية العالمية عبر أطبائها التسويقيين وصلت بالفعل إلى الجنين قبل أن يصبح مولودا، وتم تحويله إلى مخزن للمواد الكيميائية بإعطائه أدوية وصفية ولا وصفية، عن طريق والدته التي وجدت البدائل المريحة للرياضة والتغذية الجيدة أثناء فترة الحمل في الصيدلية التي بجوار منزلها، والتي أصبحت صيدلية بدورين، ولديها خدمة التوصيل أخيرا، وكأنها مطعم للوجبات السريعة، وبعد الولادة تستغرب الأم أن مولودها ترتفع حرارته بشكل متكرر وكأنه بتشبيه أحد الساخرين (كابريس قديم)، ونسيت أنها قامت بتوريث المضادات التي كانت تتعاطاها أثناء فترة الحمل، إلى حقيبة مولودها طوال سنواته الأولى كي لا يزعجها بالبكاء، وكأن والدتها تعاملت معها بهذا الأسلوب، وغيرها عشرات من الطرق التي يمكن أن تُستغل الأمهات بها من قبل شركات الأدوية.

أما في المشهد المعقد: فتجد أن لدينا مراكز طبية، تنافس أي مراكز أخرى عالمية فيما يخص المعدات والتجهيزات والعناية الطبية والأدوية ذات المبالغ الفلكية، (ولكنها لا تنافس على الطب ذاته)، لذا وللأسف فقد تقابل مريضا يخبرك أنه طاف على المراكز الطبية التخصصية التابعة لوزارة الصحة أو لجيرانها من المراكز ذات الميزانيات المستقلة، أو من المستشفيات المرجعية في القطاع الخاص، وأنه كان مدمنا على المسكنات والمهدئات، التي عاثت فسادا في عقله الباطن، وتركت جسده أسيراً لأوهامها بأنها الحل الوحيد لحالته الصحية، وأنه مع دوامة الأدوية التي تجاوزت ملايين الريالات لحالته فقط، فقد أثر مرضه الأساسي على مناطق أخرى من جسده، كالأسنان والمفاصل والعيون وغيرها، بسبب عدم تعاون التخصصات فيما

بينها في المستشفى الواحد، فما بالك لو انتقل إلى مستشفى آخر، حيث عليه البدء من جديد.

وأنه بعد كل هذه المعاناة قرر الذهاب إلى دولة قد تكون حتى من دول آسيا النامية، بمبلغ مالي لا يتعدى عشرات الآلاف بدلا من الملايين المهدرة، وتم إعطاؤه بدائل علاجية بعضها لا تحتوي على أي أدوية أصلا، وإنما هي بدائل أقلها أنه يتلقى علاجه في أجواء ذات طبيعة مريحة له، أما الحل السحري فهو إيجاده مركزا واحدا متخصصا في مرضه، ويوجد به طواقم من جميع التخصصات التي لها صلة بحالته المرضية لا تتعامل إلا مع أشباه حالته الصحية، وبتعاون وتفرغ له، حتى أصبحت (تنافس على الطب بذاته).

كلنا أمل بأن رؤية 2030 لم تغفل عن هذا الجانب، وأننا سنرى انفتاحا أكثر فيما يخص تمكين الأطباء من ممارسات الطرق البديلة للحالات التي تكرر علاجها لأكثر من عام دون نتائج جذرية، وإيجاد الحلول التي تحسن الحالة النفسية والاجتماعية والتثقيفية للمريض، ولكن إلى يومنا هذا وبفضل شركات الأدوية (لا زلنا دولة نامية في إنتاج المرضى).