في عز سيطرة الصحوة المشؤومة على مقاليد التعليم وانتشارها في المدارس قبل عقود مضت، كان عدد كبير من المعلمين يدرسون الطلاب في حينها الخوف والتحذير من بقية العالم، وللحق لا نعلم إن كان هذا الكم من المعلمين يفعلون ذلك عن قصد أو مجرد سياسة القطيع، كانوا يهولون من السفر للخارج لدرجة أن الطالب كان يعتقد أنه إذا سافر للخارج فسيكون فريسة، وأن الخارج ينتظرون وصوله على أحر من الجمر، وحتى إنك تتصور أنهم يوزعون المخدرات عليه مع انتظاره لسير العفش في المطار بعد الوصول، وأن هناك ثلة من الجميلات الشقراوات ليس لهن هدف في الحياة إلا إغراء صاحبنا منتظرات على باب المطار!.

كانت تهاويل ونظرية المؤامرة مسيطرة بقوة، ناهيك عن رش بعض الملح على بعض القصص!. الغرب تارك أعماله وأشغاله وجالس في انتظار حبيبنا حتى يغريه ويغويه، هذا غير قصص أن الغرب منحل والجنس بالشوارع؟ كيف يا أستاذ بالشارع؟ والإجابة: نعم هم بهائم، خصوصا تركيزهم عليكم، وكأن لنا ميزة عن بقية العالم تغري الغربيات بنا عن بقية أمم العالم، حتى يدمروكم!.

طبعا كرة القدم عندهم هذه مؤامرة عالمية مخطط لها لتدمير أبناء المسلمين، وزيكو ومارادونا مجرد ممثلين، والعالم الآخر لا يهتم بكرة القدم، لكن هذا ما يصوره لنا العالم حتى يتم إغراؤنا بالكرة وبالجمهورين الإنجليزي والإسباني، فقط أمام الكاميرات الحماس، لكن بعدما تذهب الكاميرات هم يرجعون لأعمالهم وللتخطيط للمؤامرات!.

طبعا الصحوة من أهم شروط الانضمام لها ألا تفكر ولا تجادل، والطاعة العمياء والتحذير من كل جديد، إلى أن يبت الشيوخ الكبار بالموضوع، لذلك أنتجت جيلا صحويا لا يستطيع النقاش أو التفكير بعمق، مجرد ببغاء يعيد ما يتلقاه من شيوخه! لذلك تجدهم من أضعف الناس حجة في المناظرات والنقاش، طبعا هذا كوّن سلوكا معروفا وهو التطرف للرأي، ومحاولة غسل المخ للوصول لعصبية الرأي، ويمكن القول إنها من المرات القلائل في التاريخ العربي التي أزيحت الآراء الفقهية الأخرى، وتم تغليب رأي واحد، مع أن من أهم ميز الإسلام الاختلافات الفرعية بين المدارس الفقهية المختلفة، حتى إنك لتجد أن مسائل معينة تم الاختلاف بين الفقهاء الكبار لألف سنة أو أكثر ولم يسفه أحدهم الآخر، بل كان يقول: هذا ما أراه، لكن أيام الصحوة وصلت الأمور إلى درجة أن يعاقب من يأخذ برأي فقهي آخر، مع أن هذا من سماحة الإسلام، ويتم تسفيه آراء فقيه معروفة وليست حتى نادرة أو شاذة، وعندما تعاقب على رأي فقهي معروف ومنتشر بين الفقهاء فكأنك حرمته، وكأنك تدعي الحقيقة وحدك، حيث كانت الصحوة تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة، وهذه طبيعة التشدد والتنطع، حتى آراء كبار علماء الأمة في مسائل معينة معروفة منذ عقود، خرج علينا عويلم يرد عليهم حتى يرضي مشايخه.

اخترت عنوان رحلة البدوي للعالم، منها أنا كاتب هذه السطور بدوي حتى لا يزعل أحد، ومنها أن الخلاف مع الصحوة بدأ منذ الدراسة، لأنه كان يعاكس مبادئي وحتى طريقة التفكير الطبيعية للبشر، كان هناك ترغيب وترهيب، كانوا يقولون أنت تجادل، واسمع وأطع الشيخ.. طبعا غالبا الشيخ مدرس مادة ويكون أكثرهم تشددا وله معارف مع الصحويين الأكبر، وكان يغضبهم أنني لا أحب المشاركة بأي نشاط من نشاطاتهم أو رحلاتهم حتى لو عرفت أنه هناك مساندة بالدرجات. حتى عندما تناقشهم بالمنطق كانوا ينكرون.. «يا أستاذ يا ما سافرنا مع والدي ما شفنا شيئا من الذي تقوله وتدعيه!»، ويأتيك الجواب: هذا لأنك مع والديك، لكن لو سافرت وحدك سترى العجب!.. «طيب الأفلام الأجنبية ما فيها اللي تدعيه»، ويأتيك الرد هذه الأفلام تصنع خصيصا للشباب العربي، هوليود تصنع أفلاما خاصة لنا وأفلاما أخرى لبقية العالم، ميزانية مفتوحة لإغراء البدوي!.

كانوا يخافون أن ترى العالم ويدخل النور، تشعر أن لك أهمية يا ولد الصحراء البدوي، دول كبرى كاملة تاركة شؤون العالم ولا تفكر إلا في كيف تغويك، يا رجل نحن مليار ونصف المليار مسلم، عندما يرتد شخص واحد فقط أو يغير دينه نسمع فيه لأنه شيء نادر جدا. الإسلام ليس هشا أو بسيطا حتى تستطيع كم حبة مخدر أو امرأة جميلة أن تغير المسلم، والعالم مشغول بأمور أخرى تختلف عما هو دين فلان من الناس، وكل منشغل بأولوياته.

كبرنا قليلا، وأصبحنا أكثر نضجا، طبعا وصلوا إلى مرحلة اليأس من البدوي، «إذا كان بالابتدائي ناشب لهم فكيف في الثانوي»، وصارت محاولات الصحوة مجرد ألاعيب لا تنطلي حتى على بعض أتباعها كما يقال، لكن من باب المسايرة والمصالح فإن بعض الأتباع يستمر، وبعد أن ينهي المرحلة الثانوية فإنه يجحدهم ويقاطعهم هم وأفكارهم.. للأسف في وقتها دمرت الصحوة وبعض أتباعها حياة بعض الطلاب من خلال زجهم في صراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

أعتقد أن من أكبر سلبيات الصحوة هو الأثر غير المباشر لها، فالصحوة لها أثر مباشر وهو غسل المخ والتقوقع والتشدد، لكن الأثر غير المباشر أنها أثرت على أجيال كثيرة من خلال الخوف من الجديد والتجديد، وللأسف الشديد تغلغل هذا الخوف في العقل الباطني.

أكبر سبب لتوقف تطور البلد وازدهارها هي الصحوة والفساد، الصحوة من خلال تأثيرها غير المباشر على عقليات بعض المسؤولين في رفض الجديد والتجديد، وقد يكون المسؤول غير صحوي، لكن آثار الصحوة مترسبة في عقله الباطني، مما يجعله يرفض الجديد ويخشاه، وهناك يتم توقف تقدم البلد، حتى جوال أبو كاميرا عملوا عليه قضية والإنترنت... إلخ، لكن الأهم كان المشاريع الحيوية في البلد توقف بعضها بسبب الخوف من الجديد والتجديد.

لست ألوم أساتذتنا، فجزاهم الله خيرا على تعليمنا، جميعهم دون استثناء، حتى من كانوا يهاجموني في وقتها، أعتقد أنهم ضحية كما كان غيرهم، لكن عتبي على من شوه سماحة الدين، دائما كنت أسال من بعض الزملاء الغربيين عن تمسكي بالوهابية (هكذا يسمونها رغم خلافي معهم على المصطلح)، رغم آرائي الطبيعية البعيدة عن التشدد في نظرهم، فكنت أرد من أهم الميز (بالوهابية كما يطلقون عليها) أنها لا تجعل بينك وبين الله أي وسيلة أو شخص، وهذا هو المنطق والعقل والطبيعي المتسق مع التوحيد، لم أجعل بيني وبين ربي شخصا آخر ليكون حلقة وصل؟!، لا يوجد تقديس للأشخاص، لا يوجد تعظيم لقبر فلان عن علان، لكن للأسف بعض الأتباع المتأخرين للصحوة أساؤوا للوهابية من خلال تقديس المشايخ، كأن كلام الشيخ فلان لا يخطئ ولا يأتيه الباطل، ربما أخذوا الأمر من الإخونجية وتعظيم المرشد.

أعتقد لتقدم البلد وازدهارها ووسطيتها وانسجامها مع العالم، وحتى من أجل نشر الإسلام بالطريقة الصحيحة، لا بد من محاربة الصحوة كما حاربنا الإخونجية.