من خلال متابعتي بعض المقالات المترجمة عن الصحف الإسرائيلية لفت انتباهي في أكثر من مقال أن الإسرائيليين ينكرون تورطهم في جريمة قتل الطفل -محمد الدرة-، وهم ينظرون إلى هذه الجريمة على أنها جريمة تقنية وليست جريمة إنسانية تستحق الإدانة، بمعنى أن المتورط في هذه الجريمة هو المصور الفلسطيني الذي صور بكاميرته مشهد القتل.

فالخطأ ليس خطأ الجنود الإسرائيليين الذين أطلقوا الرصاص على -محمد الدرة- وليس خطأ الطلقات التي قتلته إنما خطأ اللقطات، وخطأ هذا المصور الذي صوب عدسة كاميرته وصور مشهد القتل البشع. وهو يعرف أن التصوير ممنوع ومحظور.

فعلا، الجنود الإسرائيليون لا ذنب لهم. الجنود كانوا يقومون بواجبهم، والجنود وطنيون وشجعان ولديهم أوامر بإطلاق النار. والذنب ذنب المصورين الجبناء والخونة الذين ليست لديهم أوامر بالتصوير وتصويب عدسات كاميراتهم لالتقاط صور لجنود إسرائيل الشجعان وهم يؤدون واجبهم.

وإذا كان جنود إسرائيل قد ارتكبوا خطأ فيما يتعلق بمقتل الطفل -محمد الدرة- فخطأهم هو أنهم قتلوه أمام عدسة الكاميرا، وكان عليهم أن يتأكدوا من عدم وجود كاميرات تترصدهم قبل أن يشرعوا في إطلاق نيران ورصاص الشرعية.

كان من المفروض أن يقتلوا المصور أولا ويهشموا رأسه إن كان عربيا، وأن يهشموا كاميراته إن كان أجنبيا، لكن الخطأ قد حدث وعلى جنود إسرائيل المتحضرين أن يتحروا ويستوعبوا الدرس. فصورة -محمد الدرة- قد هزت العالم والضمير العالمي، وهزت صورة إسرائيل أمام الرأي العام وأساءت إلى سمعة جيشها الحضاري المسالم. خصوصا أن الفلسطينيين والعرب قد استغلوا هذه الصورة استغلالا بشعا وراحوا يبثونها ويعيدون بثها في قنواتهم الفضائية ليحصدوا أكبر تعاطف ممكن.

لهذا وحتى لا يتكرر مثل هذا المشهد وتتعرض صورة إسرائيل لمزيد من التشويه فإن على إسرائيل قتل المصورين أو تحطيم وتهشيم الكاميرات على رؤوسهم.

هكذا فإن قتل الأطفال الفلسطينيين مباح وحلال ومشروع، أما التصوير فإنه حرام وممنوع ومحظور. ولأن الإسرائيليين مسالمون ومتحضرون ويخافون من تشويه صورتهم الحضارية فإنهم يكرهون الصور ويكرهون المصورين، ولن يترددوا في قتلهم إن هم أقدموا على تصوير وجوه وأيادي القتلة الإسرائيليين الملطخة بدم الأطفال الأبرياء.

نوفمبر 2000

عبدالكريم ثابت حميد الرازحي

ولد عام 1952 في اليمن.

تخرج في جامعة صنعاء ـ شعبة الفلسفة والاجتماع 1979.

عمل مديراً للمطبوعات بوزارة الإعلام اليمنية

مديراً لتحرير مجلة اليمن الجديد

باحثاً في مركز الدراسات والبحوث اليمني.

دواوينه الشعرية:

الاحتياج إلى سماء ثانية وجحيم إضافي 1985

نساء وغبار 1991

الحمامة 1998

طفل القوارير1999.

أعماله الإبداعية الأخرى:

موت البقرة البيضاء (مجموعة قصصية) 1991.

حنجرة الشعب

قبيلي يبحث عن حزب حكومة الحصان ووصايا الحمير.