ذهب المريض البالغ من العمر 15 عاما على عكازيه إلى فرع الأحوال المدنية بمنطقته، ولأنه الفرع الوحيد هناك فهو يخدم العدد الإجمالي لسكان تلك المنطقة والبالغ قرابة المليون نسمة، ولأن هذا المريض حضر برفقة والده وإخوته قبل ذلك اليوم، فقد غادروا محافظتهم قبل شروق الشمس، لأنها تبعد أكثر من 100كلم عن الفرع، ووصلوا عند الـ7 صباحا، حتى يلحقوا بالأرقام التي يتم توزيعها يوميا في الساعة الأولى فقط من الدوام الرسمي، ومن يحضر بعدها فعليه أن يأتي في الساعة الأولى من اليوم التالي، ويحتاج إلى معرفة بسيطة بأحد الموظفين، كي لا يسحب اسمه إلى ذيل القائمة لأنه حضر من يعرف هذا الموظف. ولأن والد هذا المريض لا يعرف أحدا من الموظفين، فقد تم إنهاء إجراءات الحصول على بطاقة الأحوال للمريض بعد انتظار دام أكثر من 7 ساعات، وتم تسليمه البطاقة عند الثانية بعد الظهر، ولله الحمد، ورغم أن هذا المريض لم يجد مكانا ليجلس فيه، ولا عربة مرضى لخدمته أو مداخل مهيأة لو جلب عربة من الخارج، ولم يجد أيضا لا تكييفا أو دورة مياه نظيفة، أو حتى مياه صالحة للشرب على الأقل، إلا أن نشوة الإنجاز بسرعة الحصول على البطاقة مقارنة بغيره جعلته ينسى كل ذلك، ويعود إلى قريته عودة المحارب المنتصر.

ما ذُكر أعلاه هو ما كان يحدث قبل 12 عاما تقريبا، أما منذ أن تم تغيير شعار الأحوال المدنية، وأصبح يضاف إليه «أحوالكم أحوالنا»، فتحول المبنى المتهالك إلى ما يشبه مباني الشركات التي تبحث عن أرباح من مرتاديها، وتحول إلى مبنى متكامل وبخدمات ضيافة عالية المستوى، وصار الموظف الذي كان لا ينجز لك طلبك إلا بعد 7 ساعات من الانتظار، قليل الحديث، كثير الإنتاج، سريع الخدمة، يتصف باللباقة والمعاملة بلطف، سواء كان يعرف أباك أو جدة جارك أو لا يعرفهما، كل ما يهمه الآن أن تغادر الفرع بعد خدمتك بشكل مثالي خلال مدة لا تزيد على نصف ساعة في الأوقات المزدحمة، ورغم أنه الموظف نفسه إلا أنها ليست الإدارة نفسها. ولأنها ليست الإدارة نفسها، وبتغيير الإجراءات الإدارية واعتماد الخطط التطويرية، فقد أصبحت كمراجع تحجز موعدا من جوالك الشخصي، لتحضر وتجدهم بالفعل قد عملوا على استقبالك، بما يشعرك وكأنهم يخدمونك مقابل المال وليس بالمجان كما هو الحال، وأصبح المريض وغير القادر على الحركة تتم خدمته في منزله، وأصبحت قوافل الأحوال المدنية تجوب المحافظات والقرى لتصلك وأنت في بيتك، وغيرها من الخدمات التي تشعرك بأن المبالغ التي صرفت على هذا القطاع لم تذهب عبثا، وكل هذا لأن المسؤولين هناك يعنون فعليا مقولة «أحوالكم أحوالنا».

السؤال هنا إلى المسؤولين في القطاعات الخدمية بالمملكة، والتي يتعامل معها المواطن والمقيم مباشرة، وما زالت تعمل بآلية الأحوال السابقة حتى يومنا هذا، نقول لهم: «متى ستشعرون أن أحوالكم أحوالنا؟».