يتفق العقلاء على أن الأمن نعمة كبرى، لا يستغني عنه أحد، فهو كالهواء والنَّفَس، وهل يستغني أحد عن الهواء والنَّفَس؟.

ولذلك تبذل جميع دول العالم بغض النظر عن دينها ومعتقداتها، كل إمكاناتها المادية والتقنية والاستخباراتية لحفظ الأمن، ومع ذلك ففي كثير منها يرى المطلعون ازدياد نسبة الجرائم المخلة بالأمن.

ولعلمنا أن الله تعالى هو الذي خلق الخلق، وهو العليم بما يصلحهم كما في قوله تعالى (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)، فقد رجعنا إلى كتاب الله لننظر: ما هو السبب الرئيس لحصول الأمن؟، فكان الجواب: إن تحقيق التوحيد الخالص لله رب العالمين هو سبب حصول الأمن، وإن الإخلال به هو سبب حصول الخوف والجوع.

والأدلة على ذلك كثيرة، منها قوله تعالى (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)، والمقصود بالظلم في الآية: الشرك، كما في قول لقمان لابنه (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم)، فحصول الإيمان الخالص لله تعالى سبب لحصول الأمن التام في الدنيا والآخرة، وسبب لحصول الهداية، وكما ترى في الآية الكريمة، الأمن والإيمان متلازمان.

ومن الأدلة كذلك قوله تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا)، فهذا وعد من الله، ووعده حق، وخبره صدق، إن حصول الأمن والتمكين في الدين والاستخلاف في الأرض، إنما يحصل حتما بهذا القيد وهو (يعبدونني لا يشركون بي شيئا)، وبقدر الإخلال بالإيمان والعمل الصالح يكون تسليط الكفار والمنافقين، قال تعالى (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)، وبكفر نعمة الله بالذنوب والمعاصي يغار الله تعالى ويسلب نعمة الأمن ورغد العيش، يدل على ذلك قوله تعالى (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون).

وما ذكره الله تعالى حق يقابل بالتسليم والامتثال، وليس مجالا للتشكيك والآراء، قال تعالى (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا) فخبر الله صدق، ووعده حق.

والتزام العقيدة الصحيحة، وعبودية الله، لا تعني ترك الأسباب المادية لحفظ الأمن، كلا، بل العقيدة الصحيحة هي التي تأمر بأخذ جميع وسائل القوة المادية والتقنية ونحوهما، قال تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) والقوة تشمل جميع أنواع القوة، وقال تعالى موجها عباده لأخذ الأسباب (وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة).

ومن نعمة الله تعالى علينا في بلادنا المملكة العربية السعودية أن وفق ولاة أمرنا منذ ثلاثمائة سنة ولا يزالون بحمد الله للتمسك بالتوحيد، وتطبيق شريعة الله، وجعل ذلك أساسا في نظام الحكم، فكان من نتيجة ذلك أن جعلنا الله آمنين مطمئنين، تجبى إلينا ثمرات كل شيء، في حين يتخطف الناس في كثير من البلاد حولنا.

إن تطبيق الشريعة، وإقامة الحدود، وإسناد النعم إلى الله، سبب للحياة الكريمة في الدنيا والآخرة، وسبب لزيادة الخير، قال تعالى (ولكم في القصاص حياة) لاحظ «في القصاص حياة» وليس موتا، وقال تعالى (وما بكم من نعمة فمن الله)، وقال تعالى (لئن شكرتم لأزيدنكم).

نرى الملايين المملينة من المسلمين يأتون إلى بلادنا السعودية للحج والعمرة، ثم نرى دولتنا وفقها الله تبذل كل إمكاناتها لخدمة من أتى استجابة لأمر الله لأداء الحج والعمرة، فيؤدي المسلمون نسكهم بأمن وسهولة وراحة، ثم يغادرون إلى بلادهم سالمين غانمين، إن ذلك هو إعانة من الله لهذه الدولة السعودية، وإذا كان الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، فما بالك بمن أعان ملايين المسلمين ليقوموا بطاعة ربهم في أداء الحج والعمرة بيسر وسهولة وأمن.

نحن نرى بعض الدول عندما يكون لديهم مباريات رياضية دولية، لا يستطيعون إدارة الحشود وإن كانت لا تتجاوز الآلاف، بل يكونون في حالة طوارئ، بينما نرى بلادنا السعودية بحمد الله تقوم باستقبال الحجاج من كل فج عميق، بأعداد مليونية، وفي كل عام، وأرض المشاعر كعرفات ومنى ومزدلفة محددة، ومع ذلك تقوم بذلك على نحو من التيسير والإدارة ما عرف الناس لها مثيلا، مما يجعل مزايدات بعض الحاقدين في تدويل الإشراف على الحج في الحضيض الأسفل.

إن هذا التميز الأمني والإداري في خدمة ضيوف الرحمن هو من توفيق الله وإعانته أولا، ثم من تمسك الدولة وفقها الله بالكتاب والسنة اللذين هما دستورها، ثم من كون كل مواطن سواء أكان رجل أمن أو غيره يقوم في الإسهام في حفظ الأمن، باعتبار ذلك عقيدة يرجو ثوابها عند الله.

نسأل الله أن يديم على بلادنا نعمة الأمن والإيمان، والاستمرار في طاعة الرحمن، والبعد عن الذنوب والعصيان.