مهما كانت منهجية التفكير لدى المجتمعات، ومها كان الاعتقاد بأن تلك الأفكار ناضجة، فإن تلك المجتمعات تظل مهددة بأن تزل عن الطريق القويم، وهي تحاول فهم الواقع أو التنظير لمستقبل تراه مشرقا.

ويعود ذلك إلى عدم تمتع مجتمعاتنا العربية بما يكفي من اليقظة الفكرية، والتجرد من المؤثرات القبلية والقومية والطائفية، والقدرة على الإنصاف في اتخاذ القرارات المصيرية، بل يصل الأمر أحيانا إلى الانجرار خلف أجندة خارجية دون الانتباه إلى ذلك.

عندما تدخل مواقع التواصل الاجتماعي لأي مجتمع وتتابع ما فيها من مشاركات وأخبار، تعتقد -للوهلة الأولى- أنها تعبّر عن آراء وتوجهات المجتمع، ولكن في الحقيقة فإن هناك عددا كبيرا من المشاركين بالتعليقات، هم عبارة عن موظفين لمنظمات وأحزاب ودول، مهمتهم كتابة تعليقات تخدم أجندتهم والجهة التي يعملون لها.

وهنا، يقع على كاهل المجتمعات والشعوب ضرورة الحذر وقراءة ما بين السطور، واستخراج السم المدسوس في معسول الكلام، والتريث في اتخاذ المواقف وإصدار الأحكام.

إن التزام الصمت وتجاهل الخطأ يصبحان بالغَي الضرر، إذا تحوّلا إلى ظاهرة مجتمعية تهدد سلامة الجميع.

وللأسف، في عصرنا الحاضر أصبحت الأفكار والأطروحات السطحية هي التي تحظى بالاهتمام والانتشار، وأصبح الإنترنت هو من يقود تفكيرنا ويتخذ قراراتنا.

ولو راجعنا تاريخنا كأمة إسلامية وعربية، وتأملنا مآسيه وجدنا أن الحروب التي حصدت الأرواح البريئة، كانت بسبب الرؤية الخاطئة من قِبلنا، والرؤية الانتقامية لأعدائنا.

لقد كانت تلك الحروب بسبب التحيز إلى الأفكار والأجندة المفروضة علينا، سواء كانت دينية أو طائفية أو سياسية أو اقتصادية.

وكما هو معروف، فإن المشكلات الاقتصادية تهدد جميع دول العالم، ولكن الملاحظ أن جميع المظاهرات التي اجتاحت فرنسا وإنجلترا لم تخرج عن مسارها السلمي، ولم تسبب نزيفا دمويا رغم شراسة المتظاهرين، ولم يترتب عليها إقالة الحكومات!، وعندما تقارن ربيعنا العربي في الماضي والحاضر، نجده ربيعا دمويا ازدادت معه المقابر، وتهاوت معه المجتمعات إلى الحضيض، وازداد الفقر والجهل، ولم يكن هناك من مكتسبات!.

عندما تتذمر المجتمعات بسبب التشدد أو البطالة أو انتشار الفقر والجهالة، فذلك حق مشروع لتلك المجتمعات، ولكن يجب ألا يؤثر ذلك في الالتزام الأخلاقي تجاه الوطن، والحفاظ على مكتسباته ووحدته، وألا يترتب على ذلك التغيير وضع أسوأ من الوضع الذي تمت المطالبة بتغييره.

الربيع العربي في مصر وسورية والعراق وتونس وليبيا واليمن، كان كارثيا، فمنهم من أعاد الأمر إلى صوابه، كما حدث في مصر وتونس، ومنهم من حوّل البلد إلى دولة متشرذمة لا يحكمها القانون، وينتشر فيها الجهل والفقر والفساد. ومع ازدياد الفوضى يكون من الصعب السيطرة عليها، ويسلك الناس مسالك غير أخلاقية مع ضعف القانون والنظام والرقابة، وكما يقال: فإن الزجاج المكسور يشجع الناس على السرقة.

وأخيرا، حمى الله السودان والجزائر، وكل بلاد الإسلام من الفوضى الخلاقة.