في إحدى الأمسيات من ذي القعدة عام 1370 هربت إلى الحرم الشريف ومعي ريال واحد فقط هذه المرة. وبعد طواف وصلاة ودعاء ونوم واستيقاظ طوال الليل، اشتريت في الصباح كتاب الطواف. قرأته ورحت أتعرض للمعتمرين اتفقت مع رجل وامرأته على أن أطوف بهما لقاء ريالين، وكانت فرحتي عظيمة، ريالان، الحمد لله، آخر الفقر وأول الغنى!!.

لا أريد أن أكون غنيا ولكني أريد أن أصبح حرا، أصبح في جيبي ريالان ونصف الريال، وبعد الظهر اتفقت مع مجموعة من الحجاج اليمنيين على الطواف والسعي لقاء 17 ريالا، وطفنا ثم سعينا حتى بلغنا الشوط السابع صعودا إلى المروة، عندها شعرت باثنين يمسكان بتلابيبي وإذا هما ابن التاجر الذي أعمل عنده واسمه عبدالرزاق خيرو، والمسؤول عن الدكان وهو من قريتنا واسمه سعيد بن حمدان الغامدي، طلبت منهما أن أكمل الشوط الأخير واستلم حسابي فرفضا وقالا للحجاج: «اذهبوا.. لا تعطوه.. صدقة عليكم يا حجاج.. سامحكم الله»، وتلقيت ضربات ولكمات وصفعات على طول الطريق من المروة إلى الدكان، وهناك توبيخ من العم عباس صاحب الدكان.

الهروب الثالث

في الخامس من ذي الحجة 1370 صادفت أحد معارفي أيام الدراسة، وهو من قرية العقشان إحدى قرى بني ظبيان، واسمه علي بن عبدالرحمن بن دغسان، واستبشر لرؤيتي وابتدرني قائلا: «وينك (أين أنت) يا (أبو عالي).. المدرسة تغيرت وجاءنا سعد المليص بدروس جديدة: جغرافيا وتاريخ ونشيد وغيرها.. الملك عبدالعزيز يعرفنا ويسمعنا نقرأ نشيد (يا قدوم الملك).. والله المدرسة هذي الأيام تصلح لك.. أنت مجتهد وشاطر».

قلت له: أنا محتار وزعلان، ابن عمي اتفق مع الرجل الذي أعمل عنده على جواد (راتب) سنوي قدره ألف ريال العم القادم، وأخاف أن يجبروني على الاستمرار، لكن أنا الآن أفكر أتركهم مهما كان الأمر وأذهب لأتعلم قيادة السيارات، يا أخي السائق في المدعي والجودرية كأنه (أمير)!!

قال لي: «اترك السيارات، واترك العمل عند الرجل الذي تشتغل عنده كلها ما تساعدك، المليص يقول إن الذي يدرس وينجح سوف يحطه (يضعه) في وظيفة ممتازة!! أنت شاطر وأنا أعرفك من أيام الدراسة عند السبالي».

ودعته وقررت العودة إلى القرية للدراسة، ذهبت إلى عمي سعيد أبو الريش وشرحت له رغبتي في ترك العمل والعودة إلى القرية للدراسة، فرفض. وعندما أبديت له إصراري على ترك العمل والذهاب إلى القرية للدراسة ضربني كفا على وجهي قائلا: «لا، نحن نحتاج إلى جوادك (راتبك) لتعيش به أمك وأخواتك»، غادرت المكان دون كلام باكيا بحرقة وتملكني شعور بالحزن والأسى.. وتعمق لدي الإصرار على طلب الحرية.

في اليوم التالي استدعاني وقال لي: «لقد فكرت ووافقت على رغبتك في الدراسة وقد اتفقت مع عباس خيرو على أن تسافر آخر يوم من شهر الحج هذا (عام 1370)، ولكن بشرط أن تجتهد في الدراسة وترفع رؤوسنا!!»، ابتسمت ورفعت نظري أداري دمعة ترقرقت في عيني وغادرت المكان دون كلام.

* هروب إلى النجاح

* صدر عام 1431