ثمّة سؤال يدور في بالي دائما: لماذا نشعر نحن -معاشر العرب والمسلمين- بأنه كلما حصلت حادثة اجتماعية جديدة وطارئة على قيمنا وثقافتنا وعاداتنا، أن هناك مؤامرة تُحاك في الظلام الدامس ضدنا وضد الدين الإسلامي؟، ما الذي جعلنا نؤمن ونسلّم بنظرية المؤامرة؟، لماذا أصبحنا نثبت في أدمغتنا عقلية الضحية حتى صار كل حوار ونقاش نشتَمُّ فيها روائح استهداف خارجي يراد به هدم تراثنا الديني والاجتماعي؟. أكاد لا أفهم! لماذا نعتقد دوما أنه لا يد لنا فيما يحدث لنا مطلقا؟ لا خلل ولا اعوجاج في طرائق تفكيرنا النمطي؟ وإنما المشكلة كل المشكلة هي في كراهية العالم وتآمره علينا.

إنها أشبه بمسرحية درامية رسمنا أدوارها بين قوى الخير والشر، نحن فيها الملائكة وهم الشياطين.

هذا الشعور المستمر بالاستهداف هو حالة مَرضِيّة ترتبط بضعف الثقة لدينا، وفي الحال ذاته إسقاط كل نقص على غيرنا، حتى نكرس في دواخلنا الشعور العميق بدور الضحية الغلبان، الذي لا حول له ولا قوة، دون حتى أقل نظرة على ما يحدث في عقر دارنا!.

قرأت قبل أيام خبرا يقول، إن المؤمنين بنظريات المؤامرة، هم أكثر عرضة لارتكاب الجرائم، وفق ما خلص إليه بحثٌ جديد، أجراه علماء نفس في بريطانيا، إذ كشفت الدراسة التي أجرتها جامعتا «كنت» و«ستافوردشاير»، أن الاعتقاد في نظريات المؤامرة، مثل محاربة حملات التطعيم والأرض المسطحة، قد تجعل الناس أكثر ميلا إلى ارتكاب الجرائم، مثل مخالفة قانون المرور بتجاوز الضوء الأحمر، أو التهرب من دفع الضرائب.

وتؤكد الدراسة أن العلاقة القائمة بين المؤامرة والجريمة التي يقترفها شخص ما، يمكن إحالتها إلى الإحساس المتزايد بـ«اللامعيارية»، وهو نوع من الشعور العام بالقلق أو الاستياء، من شأنه أن يؤدي إلى الاعتقاد بأن المجتمع أصبح برمته بلا أخلاق.

وخلال قراءتي للدراسة تذكرتُ موضوع هروب الفتيات السعوديات. هذا الموضوع الذي يتصدر وسائل التواصل الاجتماعي في الشهرين الماضيين. قلت في بالي إنها حالة جديدة في مجتمعاتنا وطارئة، ليست بالظاهرة الاجتماعية، خاصة أننا نتحدث عن حالات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، ولكن هذا التضخيم والتهويل لم يأت من فراغ، بل جاء من عقلية المؤامرة بأن هناك من يخطط ويهندس القضية، ويحرّض بناتنا على التمرد من المجتمع، وهنا أقول -وبناء على الدراسة بعاليه- إذا استمررنا بالتعاطي مع هذه الوقائع الجديدة بهذا المنظور، فستزداد عمليات الهرب. فأصحاب هذه النظرية، ما يشعرون به عقب ذلك من خيبة الأمل والشعور بعدم الراحة، سينتج عنه احتمال ارتكابهم جرائم من النوع ذاته في المستقبل القريب.

بالطبع، لا أقول دعونا نترك هذا الموضوع جانبا، فهذا ليس حلّا ناجعا، ولكن أقول فلنضع الحلول بعيدا عن عقلية التهويل والتضخيم التي تجعلنا -لا شعوريا- نحيا بشعور الغضب والنقمة، وتلك مشاعر لا تأكل سوى أصحابها، ولا تهدم إلا بيوت أصحابها.