أن تكون شجاعا ومهابا من الناس هذا أمر رائع جدا، الأفضل من ذلك أن يكون لديك أيضا أخ قوي ومهاب ويحسب له الآخرون حسابا، كما أنك تعرف أنه سيقف مساندا لك في كل خطواتك، وسيبقى درعا وقوة ضاربة في يدك، مثلما أنك تبقى أخاه الأكبر الذي يعتز بك وبمكانتك وتاريخك المجيد. ولذلك نجد أن مخيالنا العربي والشعبي يحتفظ بنماذج لسطوة وقوة الأخوين الشجاعين، ولا أجد مثالا أقدمه لإبراز هذه الصلة الوثيقة بين الأخوين، أفضل مما قدمه مسلسل الزير سالم مع أخيه كليب كنموذج في تاريخنا العربي القديم. وسيرة عقاب وحجاب أبناء سعدون العواجي كنموذج واضح في تراث الجزيرة العربية القريب.

يسعدني ويبهجني حجم التطور السريع في العلاقة السعودية الإماراتية، وانصهار هذه الأخوة عبر علاقة ثنائية مذهلة يقودها المجلس التنسيقي السعودي الإماراتي. والذي جاء في لقائه الثاني الذي عُقد قبل فترة بسيطة لينسّق هذا العمل عبر توزيعه على سبع لجان متفرعة لتنظم 26 مجالا متعددا.

العلاقة بين (محمدين المجد) كما أسماهما الشاعر نايف بن مسرع في قصيدته الباذخة، علاقة من طراز وشكل آخر. وأكبر دليل على ذلك، كسرهما للبروتوكولات الرسمية في لقاءاتهما الثنائية. مقاطع لقاءاتهما مع الناس في فورمولا الدرعية، وفي المطعم في مدينة الرياض، في الزيارة الأخيرة. تؤكد على أن هناك كيمياء خاصة تجمع هذين الرجلين، لتخرج لنا بمفهوم فريد للتفاهم والاندماج القيادي للمنطقة ككل.

هذه العلاقة، انعكست نتائجها الإيجابية على شعبيهما العظيمين. فأنتجت انصهارا شبه كامل في كافة الملفات المشتركة، والتي ستنقل تلك الملفات إلى مراتب تقدمية أكبر. ولذلك فإني كمتابع أستمتع جدا بقراءة التقارير الصحفية، سواء في الصحف السعودية أو الإماراتية التي تتحدث عن متانة هذه العلاقة، وتعدد تشاركاتها وتكاملاتها على كل الجوانب والأصعدة، السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والأمنية، والصناعية. وأحاول دائما أن أتتبع تطوراتها المتلاحقة لأتابع التراكمات الإدارية التي تحصل جراء هذه العلاقة المميزة.

ولكن رغم كل هذا التواصل الرائع بين القطاعات والمنظمات السعودية والإماراتية، إلا أن هنا نقطة أود أن أشير إليها، وأتمنى أن تأخذ حقها من الاهتمام. لدي ما يشبه الاعتقاد، والذي آمل أن أكون مخطئا فيه، أن المؤسسات الثقافية في المملكة والإمارات، إلى الآن لم تصل إلى مرحلة متقدمة من التفاهم في تبادل الأفكار والأعمال وكل ما يخص الجانب الثقافي.

جميعا رأينا حجم التعاطف العالمي الذي حصل مع الحريق لكنيسة نوتردام. لماذا هذا التعاطف؟ وهناك مئات الآلاف من الأماكن الدينية في العالم التي تعرضت لتخريب إما بسبب الكوارث الطبيعية أو الحروب أو النسيان والإهمال؟ السبب في وجهة نظري وكما يراه كثير من الناس يعود إلى العمل الإبداعي العظيم الذي أنتجه فيكتور هوغو (أحدب نوتردام)، والذي جعل كثيرا من الأعراق في طول العالم وعرضه، تنشّد إلى هذه الكنيسة وتتابع أخبارها بكثير من التعاطف والإنسانية. هذا العمل الإبداعي، برأيي هو أحد مصادر القوة التي تمتلكها فرنسا. أيضا من قوتها الناعمة الأخرى بوجهة نظري، العمل الإبداعي المذهل، رواية دان براون (شيفرة دافنشي)، والتي تمت ترجمتها إلى أكثر من 56 لغة بحسب بعض المصادر الصحفية، حيث تدور أحداثها في متحف اللوفر في باريس. والذي بناء عليها بدأت أرتال السياح بالاهتمام والتدفق لزيارة أماكن أحداث هذه الرواية.

الذي أريد أن أصل إليه هنا، أن لدى السعودية والإمارات مواقع تاريخية عظيمة، ولديهما إمكانات مالية كبيرة، ولديهما روائيان مبدعان جدا، ولديهما قصص ومواقف تستحق أن تكتب وتروى. وتستطيع المؤسسات الثقافية في الدولتين (وزارة الثقافة السعودية ومن يأتي تحت مظلتها/‏ وزارة الثقافة وتنمية المعرفة الإماراتية والمؤسسات الثقافية الأخرى في الإمارات) أن تحفز الكتاب سواء من أبنائها أو من كافة أبناء الوطن العربي، على صياغة الأعمال الأدبية الرفيعة التي تخلّد هذه المواقع، وتسهم في انتشارها كقوة ناعمة في كل العالم. قد يكون من الصعب أن تكون البدايات قوية، ولكن مع الوقت سنشاهد أعمالا روائية عظيمة ومدهشة. فقط نحتاج إلى أن تهتم تلك المؤسسات بتوفير آلية واضحة تقدم بها الدعم المادي والمعنوي واللوجستي للمبدعين في هذا الجانب، وأن ترفع من مستوى تنسيق الجهات الحكومية بين السعودية والإماراتية، لتصبح بيئة الأعمال الإبداعية المتميزة للروائيين السعوديين والإماراتيين، بيئة جاذبة ومهيأة لتقديم أعمال ثقافية وروائية متميزة ورفيعة.

أخيرا، أحب أن أقول إن انتشار صورة الشيخ محمد بن زايد وهو يقبّل خشم الملك سلمان في زيارته الأخيرة للرياض، انتشرت انتشارا عظيما على معرفات السعوديين على جميع وسائلهم الاجتماعية، وهذه الصورة بحد ذاتها رواية لا يمكن أن يفهمها أو يستوعبها الصغار الذين يستمتعون برؤية الصراعات والنزاعات تنتشر في الأراضي العربية والمسلمة.