سمعنا كثيرا عن دعوى تمييع الدين، وسواء أكانت هذه الدعوى صحيحة أو غير صحيحة أو ربما مبالغ فيها، إلا أننا اليوم أمام دعوى قريبة من ذلك وربما أعظم وأخطر وهي «تمييع الوطن» أو تمييع الوطنية، إن صح التعبير.

وهل فعلا ظاهرة تمييع الوطن أعظم وأخطر؟

نعم هي كذلك، لأن في الدين متسعا من الاختلاف في كثير من المسائل، ظنية الثبوت تحديدا، بينما قطعية الثبوت لا أحد يختلف عليها، غير أن الوطن والموقف من الوطن، هو قطعي الثبوت ولا يحتمل الجانب الظني، سيما حين يكون الوطن عرين الدين الإسلامي وحامي حماه.

بعض المحسوبين على الثقافة والإعلام لا تجد له مشاركة في الدفاع عن وطنه وحين يشم رائحة ملامة، يبدأ في مصدات باهتة «حب الوطن في القلب، أنتم تخونون الناس...» ومن تلك العبارات التي تذكر بالمثل «.. على راسه بطحة..».

لسنا مع مسألة التخوين وهي قضية خطيرة أيضا، لكن وضعها موضع الشماعة أمام كل مشهد، أمر يشي بما وراء الأكمة.

وليت هذا وأمثاله يكتفون بوضعية «الصامت» في المساهمة في الدفاع عن الوطن، بل هم لا يكفون عن الإساءة والتشنيع على المغرد الوطني «مطبل، ذباب إلكتروني، منافق... وطنجي...».

وعلى ذكر وطنجي أو وطنجية، فإن المتتبع لأصل التسمية وشيوعها كان بعد أن أدرجت السعودية جماعة الإخوان على قائمة الإرهاب. في تلك الأثناء درج لفظ «أخونجي» في عبارات وتغريدات بعض الكتاب والمغردين، غير أن اللفظ بدأ يتناقل بشكل واسع بعد أن أطلقه الأمير محمد بن سلمان على الإعلام الأخونجي في لقائه مع داوود الشريان مايو2017‪ ‬.

في المقابل، لم يكن من الأخونج والمتعاطفين معهم إلا أن أطلقوا عبارة «وطنجي» كوصمة شتيمة للتنقص ممن يدافع عن وطنه في الإعلام ووسائل التواصل وقادوا حرباً خفية ضده.

يقول أحدهم؛ وما دخلي أنا بعداوة الدولة الفلانية لبلدي فأنا مواطن بسيط. ويتحدث آخر بأنه ليس معنيا بالدفاع عن الوطن، فهذا من شأن جهات رسمية وغيرها من المفردات الانهزامية التي تقدم التنازل تلو التنازل حتى يصبح الفرد لا يهمه ما يجري للوطن وقياداته ورموزه. هؤلاء جعلوا من الوطن ثوباً يفصلونه كيف يشاؤون، يتسع عندهم لكل مقاس يريدونه.

إن الدفع إلى اتخاذ هذا «التمييع الوطني» قضية خطيرة جداً قد تفضي إلى عدم المبالاة لما يتعرض له بيتنا الكبير-الوطن- الذي أمنه وسلامته أهم من بيوتنا الصغيرة.

في مسألة الوطن، لا يوجد شيء اسمه موقف حيادي أو رمادي، بل هو موقف واحد إما أن تسجله بشرف في وقته المناسب، سيما في أزمات الوطن، وإما أن تسجل العار والخذلان من خلال الفرجة واللمز بالوطن والمنافحين عنه.