«بالنسبة لأصوات المايكروفونات فهذه مصيبة يشكو منها كثير من الناس، لأن بعض الأئمة يرفعون صوت المايكروفون خارج المسجد والمطلوب أن يكون الصوت داخل المسجد يسمع الحاضرين، لا يسمع الشوارع والبيوت ويضج البلد هذا لا فائدة فيه بل فيه أذى».

«نحن نرى ألا ترفع الصلاة من المآذن أو المايكروفون لما في ذلك من الأذية على المساجد القريبة بل وعلى أهل البيوت الذين يزعجهم الصوت العالي، ثم ما الفائدة من هذا؟! هل يصلي للناس الذين في الخارج؟!».

مقطعان كاملان غير مجتزأين الأول للعلامة الشيخ صالح الفوزان والثاني للعلامة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله وغيره من الفتاوى كثير.

يضرب الغالبية من أئمة 98 ألف مسجد صفحا عن هذه الفتاوى والتعاميم الرسمية من الجهات المعنية ولا تلاقي تطبيقا على أرض الواقع، ويبقى الاستمرار على تشغيل المكبرات الخارجية هو سيد الموقف خصوصا مع قدوم شهر رمضان الكريم وما يكون فيه من صلوات نوافل تتفاوت أوقاتها.

في الواقع ومن منطلق العقل وبعيداً عن العواطف فإنه لا جدوى تتحصل من رفع الصلاة في المكبرات الخارجية، وإن احتج محتج بروحانية الموقف وضرورة نشر ذكر الله فإن كلام العقل هو الحكم، فليس ذكر الله بالصياح ولا بالنياح ولا برفع الشعارات إنما يبدأ بالعمل الخالص وما وقر في القلوب وصدقه العمل، ولم يكن نهج نبينا الكريم ولا صحابته الكرام برفع الصوت من على مكان عال إلا للأذان دون الإقامة حتى.

والحق أيضا أن الشارع الحكيم لا يمكن أن يأتي بما يتعارض مع مصالح الناس؛ والذي يراه كل عاقل أن في رفع أصوات المآذن بالصلاة أمور لا يشك في حصولها تتعارض مع المصلحة وما جاء به الشرع:

1 - مخالفتها الصريحة لفتاوى العلماء الموثوقين المبنية على فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله.

2 - فيها أذى واضح على المرضى وكبار السن وبعض النساء وحتى الأطفال خصوصا في الأوقات المتأخرة كصلاة القيام أو الخسوف.

3 - من شأنها إيقاظ نائم ينتظره دوام صباح يوم تال، مما سينتج تأخرا أو غيابا، وعلى أضعف الاحتمالات ضعف في الإنتاجية وكل هذا ضرر لا يقره الشارع الحكيم.

4 - فيها تشويس على المصلين في المساجد الأخرى وصرف لخشوعهم، وربما اختلاط في التكبير مما قد يجعل أحدهم ينتقل لركن من أركان صلاته بناء على تكبيرة إمام في مسجد قريب آخر.

5 - فيها تحرج يلحق بالباعة والمتسوقين خلال وقت الصلوات النوافل كالتراويح والقيام لضرورة الإنصات لسماع القرآن، مما يجعلهم بين أمرين إما التحدث وارتكاب كراهة أو تحريم أو البقاء صامتا، وهنا تتعطل المصالح ويصبح الأمر من المحال بمكان، مما يدخلهم في ضيق يتنافى مع المصالح الشرعية.

وقبل الختام؛ فإن الإمام مالك رحمه الله قد سمع رجلاً يجهر بصوته بشدة - كما يفعل هؤلاء - وهو يقرأ بعض الآيات فوجه له استفهام إنكاري بقوله: «أعلم ورفع صوت؟!»؛ بل وفوق كل ما ذكر آنفا فإن رسولنا الكريم قد حسم الأمر كله قائلا لعدد من الصحابة الكرام عندما وجدهم يقرؤون القرآن بالصوت المرتفع: «لا يؤذين بعضكم بعضا بالقراءة».

ختاما.. فإني أتساءل تساؤلا «مزمنا» إزاء هؤلاء الأئمة الذين يتجاهلون كل تعاميم الدولة بهذا الخصوص؛ فقد عُمم بهذا الشأن في يونيو 2015 ثم في مايو 2016 ثم آخرها في أبريل من هذا العام، فهل تعاميم الجهات الرسمية الممثلة للدولة ليست محلا للطاعة أو الاهتمام من قبل هؤلاء الأئمة؟! وهل يجهلون أن طاعة ولي الأمر واجبة ومخالفة أمره ذنب وجرم؟! وهل هؤلاء لا يقنعهم كلام العلماء الراسخين الذين أجمعوا على وجوب إغلاق المكبرات وقت الصلاة؟! بل أو لم يقرأوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفاً؟! ألهم آذان يسمعون بها أم لهم قلوب يعقلون بها؟! فبأي حديث بعده يؤمنون؟!