اقترب أحد الشعراء من أوسكار وايلد، أحد الكتّاب المشهورين، وقال له: أشعر بأن هناك مؤامرة صمت نحو كتابي الأخير، فلا أحد من النقاد اقترب منه أو حتى ذكره! «أقلتَ مؤامرة صمت؟! عزيزي لا تفكر، وانضم إليها»! أجابه أوسكار.

قد تكون القصة حقيقية وقد تكون غير ذلك، المهم أنها ظهرت في أكثر من مصدر، وببعض الاختلاف في النسخ، ولكن يبقى أن نذكر أن هناك مَن دافع عن أوسكار بأنه إنسان رقيق، ليس من طبعه الاستهزاء والتقليل من شأن أحد.

لماذا بدأتُ بذكرها؟، أولا لأنني أريد أن أرطب الجو قليلا قبل أن أدخل في صلب الموضوع، وثانيا لأن البعض -ودون أي مثير أو حافز- يلجأ إلى الصمت حينما يجب عليه أن يتّخذ موقفا، لا يعلم أنّ الصمت موقف أيضا، وقد يصل إلى حد المؤامرة، لأن المؤامرة اتفاق بين شخصين أو أكثر على الأذى، وبما أن أخانا اختار أن يدير وجهه، واختار الصمت فهو مشارك في مؤامرة الأذى!.

عادة ما تحدّد القواعد الاجتماعية غير المعلنة كثيرا مما نقوله أو نفعله في دوائر حياتنا، والاحتكاك اليومي بين الأفراد، مثل المنزل والمدرسة والعمل والأماكن العامة، حتى على وسائل التواصل الاجتماعي.

في الغالب، تكون هذه القواعد جيدة للمجتمع الحاضن، فهي تسمح للأفراد بالتوافق مع بعضهم البعض، ولكن في بعض الأحيان نجد أن لتلك القواعد الخفية تأثيرات ضارة، وفي مثل هذه الحالات يجب على الفرد منا أن يبرزها ويخرجها إلى العلن ويناقشها للعمل على تعديلها أو إزالتها، إنْ لزم الأمر!

عادةً، حينما تظهر سلوكيات مبنية على قواعد كهذه، تكون ردة الفعل المداراة، والرغبة في عدم الإساءة أو المواجهة، خاصة حينما يكون الموضوع مشحونا عاطفيا، وبحسن نية نصمت ونتغاضى!

ولكن، حين نفعل ذلك نكون قد ألحقنا أذى أكثر بكثير من ناتج حسن النية، حين نبقى صامتين، والصمت هنا أننا نسارع إلى الاتهام والمطالبة بإنزال أقسى العقوبة على من يخرج بها إلى العلن!، وننسى أن نعترف بأننا أيضا نمتلك شيئا منها بشكل أو بآخر!.

وصمتنا عن الاعتراف بأننا أيضا في دائرة الاتهام، يدخِل الأمر إلى دائرة المؤامرة! حين نبتعد عن النقاش والولوج في مثل هذه الموضوعات، خاصة في مؤسسات التعليم، مع أبنائنا وبناتنا، ونحرمهم من تناول الموضوع برؤية جديدة، والبحث عن الحلول ليس فقط الموضوعية، بل الإنسانية، يكون صمتنا هنا قد أضرّنا وأضرّهم ليس، في الوقت الحالي فحسب، بل أيضا في حياتهم المستقبلية.

ما يمكننا القيام به، هو العمل على فتح الحوار، لتغيير مسار المحادثات غير المريحة إلى حوارات مثمرة.

تعلُّم التحدث والخوض في حوارات عن هذه القواعد غير المعلنة في مجتمعنا، أمر بالغ الأهمية، إن كنا نأمل في تحقيق المجتمع المتساوي الذي ليس يتماشى فقط مع شريعتنا، بل أيضا مع رؤية 2030، التي تؤكد حقوق الفرد والمجتمع في التنمية والمشاركة.

كل واحد منا، وخلال تفاعلاته اليومية مع الآخرين، سواء كانوا من الأقرباء أو الغرباء، يجب أن يكون مثالا للأجيال القادمة، ومن هنا نستشعر أهمية المسؤولية فيما نقوله وفيما لا نقوله ونتغاضى عنه، وبهذا نرى أنه آن الأوان أن نقف وقفة صريحة وصادقة، لنحدّد هذه القواعد غير المعلنة، نخرجها من سياقها ونحللها، وما لا يستقم مع أخلاقياتنا وإنسانيتنا تتمّ تعريته ليظهر كما هو بضرره وأذاه، ثم نعمل على وضع المبادئ التوجيهية والحلول المقترحة لتحفيز الجميع على المشاركة في حوار واضح وموضوعي، يسهم في إعداد جيل قادم قادر على التغيير، خلال إبراز قضايا كقضية العِرق مثلا، إلى الضوء بطرق إيجابية.

فبكسر العادات السيئة، مثل التهرب والكذب على النفس، وتوجيه التهم إلى الغير والمداراة، نتمكّن من كسر الصمت بشأن مسائل كثيرة تثار يوميا حولنا وبأشكال عدة، ونحن كالملائكة التي تمشي على الأرض، نصدق أنها لدى الآخر، ولا نتملك ذرّة منها!.