هناك نوع من مكاتب غرف الدكتوراه في الجامعات البريطانية لا تخص طالبا بعينه، لكن بإمكان أي طالب استخدامها دون تملّك لحين أن يصل الدور إليه ليحصل على مكتبه الخاص. وكانت هناك طالبة سعودية جديدة لم تعرف ذلك، فوضعت أشياءها الخاصة، منها صور أطفالها على الطاولة.

في الحقيقة، باقي الطلاب لم يهتموا بتنبيهها، لأن المكتب لمن يأتي أولا، وهي تأتي -عادة- أولا.

لكن، ذات يوم تأخّرت، وحضر طالب سعودي بالصدفة، وسأل لمن هذه الأغراض، فأخبره الطلاب أنها لطالبة سعودية جديدة، فقام ببعثرة الأشياء بأسلوب متوحش، وأخذ يصرخ بغضب: «يبدو أنها لا تفهم، ولم تقرأ التنبيه على الباب»، ثم غادر.

يقول لي طالب زميل -وهو عربي شهد الحادثة- إن الفتاة جاءت واضطروا لإخبارها أن طالبا سعوديا هو من فعل ذلك، فقامت بلَمِّ أشيائها بسرعة وغادرت، ولم يروها بعدها.

الطالب ذكر لي القصة في معرض حديثه عن تعجبه من العداء الذي يتملك بعض الطلاب السعوديين تجاه زميلاتهم في الغربة والبعثة.

قال، إنه لطالما عجز عن فهم أدب بعض الطلاب السعوديين واحترامهم لكل الطالبات، وعجزهم عن تفهم اختيارات السعوديات، ومنها الابتعاث الذي يبدو أن الشاب الغاضب كان غاضبا بسببه، إذ لا شيء عنده منها ليغضب غير أنها سعودية مبتعثة مثله، فهو لم يرها من قبل.

عموما، هناك قصص أنكى وأعجب من هذه شاهدتها في البعثة من بعضهم، وإن كان هناك دائما شباب سعودي محترم ومهذب، يعاون زميلاته ويساندهن، وقد كتبت وأكتب عنهم دائما.

على كل حال، لقد قضى هؤلاء الشباب الغاضب من السعوديات أكثر من 4 عقود مما يسمى الصحوة، تحت وطأة خطاب يخبرهم أن المرأة مصدر الشرور والمدخل إلى جهنم، وأحقر من أن تتعلم، أو تتساوى فرصها معهم، وأن الحياة والجمال هو مع الحور العين التي تنتظرهم المئات منهن في الجنة، وهي بالمناسبة تدعو إلى هذه الخبيثة التي تضايقك عندما تظن أنها يجب أن تحصل على ما يساويها بك.

لقد ظن هؤلاء الشباب دائما، وبسبب عوامل كثيرة، كلها وبلا استثناء، ترجع إلى الصحوة بالدرجة الأولى، أنهم مهما كان تعليمهم أقل من الفتاة أو مكانتهم، فهم أذكى منها، لذا فإن فرصا مثل الابتعاث أو مؤشرات لعدم الاعتماد عليهم -كقيادة السيارة- تثير رعبهم وتستفز رجولتهم الخائبة، فتجده يصرخ «والله لأربيك»، متناسيا أن السعوديات لديهن حكومة ودولة، هي التي وثقت ومنحت الحقوق، وهي التي ستربي مثله وتهذبه جيدا، إن لم يهذبه التعليم.