ما إن تلوح علينا بشائر قدوم رمضان حتى تبدأ بعض القنوات الفضائية الترويج لكثير من البرامج التي تزمع تقديمها خلاله على شاشاتها، ومن بينها برامج الكاميرا الخفية التي تكثّف الدعايات الإعلانية عنها وحول فكرتها.

وأنا في الغالب لست ضد البرامج الرمضانية في المجمل، سواء كانت البرامج الدرامية منها، أو برامج المسابقات، وهي الأقرب إلى نفسي، أو البرامج التي تقدم مواد منوعة تثقيفية وترفيهية وترويحية. المهم عندي هو أن نلمس تقدير الفضائيات لما تعرضه منسجما مع روحانية رمضان وأجواء الصيام، وأن تكون برامجها ذات قيمة في محتواها، بما فيها تلك التي تقدم التسلية والابتسامة للمشاهدين.

فهمي عن برامج الكاميرا الخفية في الغالب أنها أصبحت مثلها مثل كل البرامج الأخرى، التي لا تخلو من الإعداد والتنسيق المسبق مع الضيوف، فأنا لم يعد يساورني شك في أن هناك اتفاقا مع ضيوف برامج الكاميرا الخفية على تصنُّع المفاجأة في مقالبها، وكأنها حقيقة، بينما ما يحدث في الحقيقة «مواقف تمثيلية» أو مسرحية متفق عليها بين الطرفين.

فالضيف الذي يفترض وضعه داخل قالب كوميدي لصناعة موقف طريف أو محرج، دون أن يعلم أن هناك كاميرا خفية تقوم بتصويره، هو مشارك في صناعة الموقف وتمثيله!، وهذا الفهم عندي يعززه اعتراف كثيرين شاركوا في برامج الكاميرا الخفية، بأن ما يحدث هو تمثيل في تمثيل.

على أي حال اليوم، وفي العالم المليء بالفضائيات، بعض برامج الكاميرا الخفية التي تقدم في بعض الفضائيات خرجت عن الإطار المألوف، عن حبكة الكاميرا الخفية التي ألفناها، كما كانت تبدو في نسختها الأجنبية.

فقد كانت في السابق تقدم مواقف تعتمد على المقالب المضحكة والطريفة، يؤديها معدو البرنامج، إذ يتم وضع الضيف داخل المقلب الطريف، ثم مراقبة تصرفه وردة فعله، بهدف صناعة الابتسامة البريئة على وجوه المتلقين، دون الإضرار بضيوف الكاميرا الخفية، ثم تطورت الفكرة، فأخذت في بعض أفكارها وضع الضيف في مقالب محرجة وصعبة، وقد يكون هو موضع السخرية والتهكم لجلب أكبر كمية من الإضحاك على الموقف، ولو كان ذلك يتم بواسطة استثارته وإخراجه عن طوره، وأتذكر أن كثيرين في دول عربية طالبوا بوقف برامج الكاميرا الخفية، حينما أساءت إلى ضيوفها وخرجت عن مسارها الكوميدي.

إلا أنه في الآونة الأخيرة، أخذت فكرة برامج الكاميرا الخفية منحى خطيرا في فكرتها، فلم تعد تقف عند حد المقالب الخفيفة، بل أخذت تصطنع مواقف خطيرة تعتمد على الألعاب الخطيرة، والمغامرات المثيرة، والمفاجآت غير السارة رغم أنها تمثيل في تمثيل، كما أسلفت، إلا أنها فقدت وظيفتها الكوميدية وأصبحت تقدم «السخافة والتفاهة» نتيجة ضعف محتواها، وسخافة فكرتها، وقد أدرك المشاهد أنه أمام مهزلة يومية مع برنامج اسمه الكاميرا الخفية، لا يقدم للمشاهد سوى العنف والخوف والمغامرة الخطرة والسخرية والتهكم، مع مشاهد خالية من المتعة للإضحاك، وهي مواقف تتكرر كل يوم مع ضيف جديد دون أي جديد، وتتحول إلى سلسلة حلقات طويلة، لتحقيق معدل ربح مالي عال.

ومع الأسف، فقد كنّا نصدم بسماع كلمات نابية من السبّ والشتم التي يتم حجبها كردات فعل للضيوف، حينما يكتشفون خداع الكاميرا لهم، مع أنهم يعرفون ذلك، إنما هم يؤدون جزءا من المشهد «التمثلي المسرحي» للإثارة، علما بأن برامج الكاميرا الخفية تعدّ من البرامج الباهظة التكاليف، وهي لا تقدم مقابل ذلك البذخ الذي يصرف عليها وحجم الإنفاق، ما يمكن أن يحمل النفع والفائدة للمشاهدين، حتى في جانب التسلية والترفيه والضحك، بقدر ما أصبحت برامج خالية من أي قيمة.

عموما، ما أود الإشارة إليه ونحن على أبواب رمضان، وخلال ما يتم له الدعاية حاليا عن أحد أشهر برامج الكاميرا الخفية الذي تبثه إحدى الفضائيات على شاشتها في كل موسم رمضاني، فما رشحت عنه التسريبات التي انتشرت في وسائل التواصل، أن فكرته هذا الموسم تدور حول تخدير الضيف، وعندما يستيقظ يجد نفسه في غرفة مظلمة مغلقة عليه وحده، ثم يخرج له شخصان يرتديان الأبيض، لإيهام الضيف بأنه قد مات ودُفن «هذه المهزلة يجب وقفها فورا»، فلا أظن أحدا سيقبل بفكرة البرنامج هذه، وهي تتناول مسألة دينية تتعلق بمرحلة من مراحل حياة الآخرة بهذه الصورة الكوميدية، لإضحاك الناس على ما سيحدث للإنسان حينما يدفن في قبره! كقضية دينية، لا يجب التعرض لها بهذه السخرية لإضحاك الناس أبدا، ولطالما وجدنا من يقف في وجه أفكار مشابهة بالعتب واللوم، كان آخرها المعلم الذي اصطحب مجموعة من تلاميذه في المرحلة الابتدائية إلى مغسلة الأموات، ليريهم كيف يتم غسل الميت، مع أن ما قام به هو تطبيق عملي لأحد الدروس في مناهجهم، فكيف نرضى بمهزلة الكاميرا الخفية وهي بهذا الطرح لملايين المشاهدين.

بعض برامج الكاميرا الخفية التي تقدم خرجت عن الإطار المألوف، وعن حبكة الكاميرا الخفية التي ألفناها