بدأ الحديث والاهتمام يتزايد بصورة ملحوظة بالإعلام البترولي في الخليج عندما اعتمد المجلس الأعلى لدول الخليج في دورته الثالثة والثلاثين التي عقدت في البحرين في العام 2012 ما سمي بـ«إستراتيجية الإعلام البترولي لدول مجلس التعاون»، على أن تراجع كل ثلاث سنوات. وكانت العلاقة بين القطاع البترولي ووسائل الإعلام المحلية في ذلك الوقت ضعيفة جداً، وكانت الحاجة ملحة بالنسبة لقطاع البترول الخليجي لوجود إعلام دقيق وواع ومسؤول قادر على التحليل بعمق أكثر بعيداً عن الإثارة الإعلامية، وقادر على نقل الصورة الحقيقية عن واقع البترول في الداخل وعلى مستوى العالم، وخاصة أن السياسيين غالباً ما يتحدثون عن البترول لا سيما في الأزمات البترولية بشكل غير واقعي وغير علمي.

وفي السعودية تمت الموافقة الرسمية على «إستراتيجية الإعلام البترولي لدول مجلس التعاون» بعد إقرار مجلس الوزراء. وكانت فكرة وضع إستراتيجية مختصة بالإعلام البترولي قد ابتدأت عندما طرحت ورقة عمل تتحدث عن مدى تأثير الإعلام البترولي على دول المجلس في اجتماع لجنة التعاون البترولي، الذي عقد في الدوحة عام 2008.

ولاحقاً احتضنت الكويت ملتقى الإعلام البترولي الأول لمجلس التعاون لدول الخليج العربية يومي 25 و26 مارس 2013 تحت شعار «الإعلام البترولي بدول مجلس التعاون.. واقع وتطلعات». واستضافت الرياض ملتقى الإعلام البترولي الثاني لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في 22 مارس 2015 تحت شعار «الإعلام البترولي الخليجي.. قضايا وتحديات». بينما عقد ملتقى الإعلام البترولي في دورته الثالثة في أبوظبي يومي 19 و20 أبريل 2017 تحت شعار «الإعلام البترولي الخليجي والاتجاهات المستقبلية للطاقة».

ويخرج الملتقى في كل دورة بتوصيات تنشر في وسائل الإعلام بعد أن يقرها المشاركون، وهم من نخبة من المختصين بشؤون البترول والطاقة منهم وزراء نفط وإعلاميون وخبراء في مجال الصناعة البترولية، وأحد هذه التوصيات في الدورة الأولى كانت إنشاء جمعية مستقلة بمسمى «جمعية الإعلاميين البتروليين»، تضم الإعلاميين الخليجيين والعرب والأجانب المختصين بشؤون البترول والطاقة في منطقة الخليج.

ونستطيع أن نلاحظ بوضوح أن لملتقى الإعلام البترولي الدور الكبير في تسليط الضوء على هذا النوع من الإعلام التخصصي، وعرف غير المتخصصين في صناعة البترول والإعلام وعموم القراء والمتابعين بهذا النوع من الإعلام الخليجي، حيث حظي ملتقى الإعلامي البترولي بدوراته الثلاث باهتمام كبير من قبل وسائل الإعلام في دول التعاون والمتخصصين في مجال الإعلام وشؤون الطاقة في الشرق الأوسط والعالم العربي.

وربما تساءل كثير من القراء عما إذا كانت الصناعة البترولية في دول مجلس التعاون عموماً وفي السعودية خصوصاً بحاجة إلى إعلام تخصصي يهتم بشؤونها إلى هذا الحد، أم أن هذا نوع من الترف الإعلامي والثقافي؟ وماذا يقصد أصلاً بالإعلام البترولي! وكيف يربط الإعلام بالبترول؟ وكيف يمكن أن يتعامل الإعلام مع البترول أخباراً وتحليلاً؟ وهل يمكن لأي كاتب ومحلل غير متخصص أن يصبح محللاً بترولياً؟ وكيف تمارس «جمعية الإعلاميين البتروليين» دورها؟!

بلا شك بدأ الارتباط الوثيق بين البترول والإعلام عندما أصبح البترول سلعة إستراتيجية في بداية القرن العشرين، والإعلام البترولي في الخليج هو إعلام متخصص يُعنى بشؤون صناعة النفط والغاز والطاقة، ويعرض طبيعة الصناعة البترولية في دول الخليج ودورها التنموي وعلاقة النفط بالمجتمع، ويوفر مصادر إعلامية بترولية تؤمن وصول المعلومات الرسمية المتاحة إعلاميا لوسائل الإعلام مما يوقف الشائعات والمعلومات غير الصحيحة، وهو إعلام يهدف إلى المساهمة في تنفيذ إستراتيجية الإعلام البترولي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية السالفة الذكر.

ونستطيع الجزم بأهمية الإعلام البترولي في منطقة كالخليج العربي وبلد من أكبر المنتجين والمصدرين للنفط كالمملكة العربية السعودية، إضافة إلى عدد من الأسباب الأخرى إلى إنتاج وتصدير البترول، مثل ارتباط أخبار النفط بالأسواق وبعالم السياسة والأزمات الاقتصادية والسياسية، وتأثير هذه الصناعة في توجهات الرأي العام، وبقضايا البيئة والمجتمع في ظل تأثير الطفرة النفطية على المجتمعات الخليجية وأسلوب حياتها والتغيرات المتسارعة في الثقافة والحياة الاجتماعية.

من الأهداف التي يمكن تحقيقها من خلال الإعلام البترولي رفع مستوى الوعي بأهمية الثقافة البترولية في المجتمع وبين أوساط الإعلاميين، وتعزيز وتطوير الثقافة البترولية في قطاعي الإعلام والاتصال الإستراتيجي، والمساهمة في تعزيز مهارات الإعلاميين المختصين للقيام بدورهم في نقل الصورة الصحيحة عن قطاع البترول، وصناعة الكوادر الصحفية المختصة والمدربة في مجال البترول والطاقة من خلال ورش العمل والدورات التدريبية التخصصية، ومعرفة كيف يمكن للإعلامي أن يكون إعلامياً متخصصاً في شؤون الطاقة والصناعة البترولية؟!

والإعلام البترولي يتمثل في مسارين، أحدهما يأتي في شكل مواد إعلامية في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة والتي نتعرض لها في حياتنا اليومية. بينما المسار الثاني يأتي في شكل إصدارات ومطبوعات ووسائل إعلامية متخصصة في شؤون الصناعة البترولية فقط، وهناك عدد من الإصدارات النفطية التخصصية في دول مجلس التعاون الخليجي ودول الشرق الأوسط تُعنى بمتابعة مستجدات الاستثمارات البترولية والتطورات العلمية والتكنولوجية في مجال الصناعة البترولية والطاقة، ومن هذه النماذج التي أستحضرها الآن «المجلة العربية للعلوم والهندسة» التي تصدر عن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ومجلة «النفط» وهي فصلية تصدرها وزارة النفط في الكويت، ومجلة «المنهل» والتي تصدر عن شركة تنمية نفط عمان وغيرها.

ولكن وبعد مرور عدة سنوات، لم نر على أرض الواقع أي ممارسة وجهود ملموسة لما سمي بـ«جمعية الإعلاميين البتروليين»، وأصاب الفكرة الإهمال الواضح على الرغم من الترحيب بفكرة إنشائها من قبل المشاركين في ملتقى الإعلام البترولي في دورته الثانية.. وكانت الدعوة لإنشاء هذه الجمعية قد لقيت تأييداً واسعاً ومباشراً من قبل وزراء البترول لدول التعاون الخليجي، والمشاركين في الجلسة الافتتاحية للدورة الثانية لملتقى الإعلام البترولي، عندما أطلق هذه الدعوة وزير البترول والثروة المعدنية في المملكة حينها المهندس علي النعيمي.

وأكد النعيمي في تلك المناسبة على أنه في حال تم الاتفاق على إنشاء هذه الجمعية، فإن المملكة على استعداد لدعم إنشائها من أجل الإسهام في زيادة الشفافية لدول الخليج، وصنع إستراتيجية السياسات البترولية لدول المجلس، ومن أجل الإسهام في تنمية قدرات الإعلاميين البتروليين من خلال تبادل الخبرات وتطوير الإمكانيات الإعلامية القادرة على صناعة أساس متين لإعلام بترولي خليجي واعد وناجح ومميز لمستقبل أكثر.

والسؤال المطروح على الجهات المعنية هو هل يمكن أن تهب الحياة لجمعية الإعلاميين البتروليين؟!