ذهنية التحريم ذهنية تحتاج علاجا طويل المدى، أحيانا يشبه العلاج بالكيماوي، فذهنية التحريم تعيش خلاف الأصل الشرعي (الأصل في الأشياء الإباحة، والتحريم لا يكون إلا بنص قطعي الدلالة، قطعي الثبوت)، وإلا فلنلزم ما أشار إليه الدكتور محمد سليمان الأشقر في القاعدة الأصولية: الأدلة المختلف فيها لا تعني أن ثمة حاكماً غير الله، ثم يُفَصِّل قائلا («الإجماع حجة»، فليس معناه أن الأمة إذا أجمعت على أمر فقد جعلته شرعا، بل معناه أنها إذا أجمعت على أمر فذلك أمارة على أن حكم الله في تلك المسألة هو ما أجمعوا عليه، وهكذا يقال في «قول الصحابي»، والقياس والاستصلاح والاستحسان وغيرها من الأدلة، عند من أخذ بها فهي عند القائلين بها دلائل على حكم الله، وليست موجبة للأحكام لذاتها...)، إلى أن يوجه الفقهاء بما يجب أن يلزموه من آداب كان عليها الأئمة الأوائل من السلف فيقول (يلزم الفقيه أدب الأئمة -رضي الله عنهم- عندما لا يجدون دليلا قاطعا فيستبدلونه بعبارة: هذا رأيي، أو أحب كذا، أو أكره كذا، ولا ينسبه إلى الشرع، وقد غفل عن ذلك كثير من متأخري الفقهاء)، وما أكثر الغافلين من الفقهاء (الوعاظ) في هذا الزمن، ولهذا لهم في كل عام فتوى (عامة) تنقض ما قبلها، ينصون في الأولى على التحريم القطعي وفي الثانية على التحليل، بينما الأمر في مبتدئه داخل في المسكوت عنه الذي لا يصح فيه سوى أن يتواضعوا بقول: أحب كذا أو أكره كذا دون أن ينسب للشرع.

لنلاحظ حكاية (السفر) الذي حدده بعض الفقهاء بمسافة ثمانين كيلومترا تقريبا، فإذا سألنا عن سفر المرأة قالوا بضرورة المحرم، دون مراعاة لتغير الفتوى عبر 1400 سنة، فلو جاءت فتاة وقالت لأبيها إنها تريد المشي على قدميها مسيرة خمسة كيلومترات في فلاة منقطعة لنبهها إلى ضرورة وجود أحد معها، وهي ليست مسافة سفر وفق العرف الفقهي، ولو جاءت نفس الفتاة وأبلغت أباها بسفرها ألف كيلو لمدينة أخرى بالطائرة لتمنى لها التوفيق في رحلتها دون ضرورة مرافق لها،

(المقاصد الشرعية) هي (مقاصد إنسانية)، والمقصد الإنساني هو توفر الأمن بأي طريقة كانت، سواء لرجل أو امرأة، وما عدا ذلك حذلقات فقهية من البعض نقرأ تفاصيلها في الخلاف حول (حج العاملات المنزليات المسلمات الموجودات بالسعودية بدون محرم) قادمات من آلاف الكيلومترات بلا محرم ليعملن سنوات في هذا البلد بكل كرامة نرجوها لهن، وفي هذا امتياز لدولتنا وفخر لها، إذ يشعر الحاضر إليها بهذا الأمن، فعن أي محرم يتحدث المقلدون بلا فقه؟ وهل من الفقه أن نستعيد أقوال الفقهاء قبل ألف عام لظروف عاشوها على أقدامهم أو راكبين لدوابهم، وهل نقيسها بمعطيات الحياة التي يعيشها الإنسان العادي الآن ولم يكن يدرك رفاهيتها وأمنها حتى هارون الرشيد نفسه.

يبقى مفهوم الفتنة (المطاط) الذي يتعمد المرأة بالانتقاص بقصد أو دون قصد، فالجارية في الفقه الإسلامي لم تعامل وفق معايير الفتنة في هذا الزمن، رغم أنها امرأة قد تكون رومية أو فارسية، فعورة الجارية ليست كعورة الحرة في الفقه الإسلامي -بل نزع عمر بن الخطاب عن رأسها الحجاب كي لا تتشبه بالحرائر رغم أنها امرأة- والفهم الإنساني الرشيد لا يفرض على الإنسان مقاسا خاصا للشرف، فالشرف معنى وليس لباسا، فالعهر لا يستأذن الشعوب، بل يظهر في كل بلد وفق ثقافته، فلباس العاهرة في شوارع أفغانستان قد يكون أكثر كثافة وتغطية وسترا للجسد من لباس امرأة عفيفة في شوارع البوسنة والهرسك.

أخيرا، قد تكون كلمة (الفتنة) التي يستخدمها البعض بشكل ذكوري مفرط وهوسي، هي غطاء لأمراض جنسية نفسية عندهم، فكما يتحايل المريض النفسي بكلمة (العين، والسحر) تهربا من حقيقة مرضه النفسي، فقد يكون هناك مريض بأحد الأمراض النفسية الجنسية، ويغطي ذلك بعبارة (الفتنة) التي يشوه بها حياة الطبيعيين من الرجال والنساء النبلاء والنبيلات، ولهذا لا نستغرب ممن يحمل هذه الأزمات أن يزرع في من حوله فوبيا (الفتنة) ويقصد بها المرأة، متناسيا كل الفتن التي يعج بها العالم العربي وأشدها فتنة الحرب والفقر، أما الفضاء العام فتحميه أعراف الناس العامة من الأسوياء، وليس آراء المرضى منهم بالهوس الجنسي، فنراهم يضطربون مغطين ارتباكهم بالحوقلة حتى عند النظر إلى (المانيكان/‏دمية عرض الملابس النسائية) فحتى (المانيكان) عندهم (فتنة)!؟!!.