فأحمد الله -سبحانه وتعالى- على تفضله علينا ببلوغ شهر رمضان المبارك، واستقبالنا أول أيامه -وفق الحساب- يوم غد الإثنين، وأسأله أن يتمم علينا فضله، ويعيننا فيه على الاجتهاد فيما يقربنا مما يرضيه عنا.

من السهل أن أقوم -أو يقوم أي إنسان- بتحميل التدين -وليس الأديان- خطايا الواقع الذي نعيشه، ومن السهل أيضا أن نلوم (السلفية) و(الصوفية)، فضلا عن (الأشاعرة) و(الماتريدية) و(أهل الحديث -أهل الأثر-)، ومن السهل كذلك أن نبرئ من نحب من كل أو بعض العيوب، والحقيقة التي لا تقبل القسمة أبدا، ولا حتى التحليل، أنهم (جميعا) ليسوا أبرياء، ولا أقول ذلك جلدا مني (لأي ذات)، وإنما رغبة حقيقية في استفزاز وعي من منحه الله -سبحانه وتعالى- قليلا منه.

شهر رمضان المبارك -ومن شعور عام- يعد أنسب الشهور -أو من أنسبها- لكي يصل الإنسان بنفسه مع نفسه، إلى أهمية تخليص أفكاره من سجن (التبعية)، التي أوقعته في مصيبة التحيز لغيره، وجعلته متشبثا بمن يعرف فقط، وكأن الأفكار أو المعتقدات غير قابلة، بحال من الأحوال، للتغير والمواكبة.

قراءة متأنية، وبتدبر عميق لكلام الحق -سبحانه وتعالى- ستظهر لأي متردد في استيعاب من سبق، أن التعدد والتنوع سنة الله تعالى في خلقه، وأن الدعوة مفتوحة لتدبر ذلك، ومن يحاول النفيَ معترض على إرادته سبحانه وتعالى، ولم يفهم سنته، وأنه من حيث يدري، وربما من حيث لا يدري، يريد جعل من حوله، من الأفراد والمجتمعات، صورة طبق الأصل لأصحاب العقول الخاوية، والقلوب الجرداء.

لا توجد في الناس فئة معصومة، أو فئة غير معصومة، ومن يدعي أنه الأصح من غيره (أناني)، و(انعزالي)، و(فوقي)، والكل معرَّض للخطأ والزلل، وما على مريد الخير لنفسه، ولبلاده، وللعالم من حوله، إلا أن يفهم التدين فهماً صحيحا، وأن يبحث دوما عن (النزعة الإنسانية) في كل ما يقوم به من أعمال، وأن يحاول بشتى الطرق في أن يستعيد في عقله (وظيفة التدين)، وهي تربية الإنسان، وتهذيب روحه، وتخليته من (الأنا)، و(التوحش)، و(الاحتكار)، وأن يكون على يقين من أن التدين لا يمكن اختزاله في (ثنائية الأبيض والأسود)، وأن المقاربة بين التدين والحياة مطلوبة، وأنها مرهونة بإخراج العقل من (أسر وسجن) الصراع والاستقطاب، و(نمطية ووثنية) الفكرة والخطاب.

أسأل المولى -سبحانه وتعالى- وبسر قوله العظيم {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، وقوله الجليل {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}، أن يلهمنا الصواب في كل حال، وأن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا، وأن يعيدنا إلى عوائد البركات والخيرات.