التسامح سلوك إنساني حضاري للعيش المشترك بين البشر، وهذا يعني أن نوطن أنفسنا على قبول الآخر ونحن نحمل في الوقت ذاته أفكارا لا تتفق مع أفكار الآخرين، ونرى في هذا الاختلاف تعبيرا عن طبيعة الحياة والمجتمع والكون.

التسامح في المعنى الحديث هو العيش السلمي مع اختلاف الآخرين، سواء في الدين أم العرق أم السياسة أو عدم منع الآخرين من أن يكونوا آخرين، أو إكراههم على التخلي عن آخريتهم. فالتسامح هو الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثقافي ولأشكال التعبير والصفات الإنسانية المختلفة.

إن التسامح قيمة فلسفية ومعرفية يتولد عنها بناء سلوك اجتماعي يحدد الترابط الوظيفي بين الأفراد والجماعات، وتنتج عن التسامح جملة من المعايير المجتمعية كحرية التعبير وحرية الإبداع وحرية الامتلاك، واختيار نمط الحياة وأسلوب العيش المختلف، وقبول الآخر المتعدد المتنوع وتجاوز كثير من الاختلافات في المعتقدات والأيديولوجيات والعرقيات.

يتجلى التباين في المجتمع الإنساني في العدد الكبير من الأعراق والأجناس والأديان والمذاهب والقوميات التي تحمل قيماً ومعتقدات تؤدي إلى ثقافات مختلفة، ثم يتجلى التوحد في أن كل أعضاء هذه الكيانات البشرية يشتركون في كونهم يسعون إلى العيش بكرامة وسلام وتحقيق طموحاتهم ومصالحهم، فإن احتكاك المجتمعات بعضها ببعض وتشابك المصالح فيما بينها نتيجة لثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والمواصلات التي تجعل التسامح والتعايش السلمي والعيش المشترك حاجات لتحقيق مصالح المجتمعات جميعها.

إن التسامح يتمثل في الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية. ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد. فهو الوئام في سياق الاختلاف، والتسامح هو الوسيلة الناجحة التي تيسّر قيام السلام وتسهم في إحلال ثقافة السلام في المجتمع.

لا يعني التسامح التنازل عن الحقوق أو التساهل في الواجبات، بل هو اتخاذ موقف إيجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية. إن التسامح مسؤولية تشكل عماد حقوق الإنسان، ينطوي على نبذ الاستبدادية ويثبت المعايير التي تنص عليها الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.

التسامح هو الإقرار بأن البشر المختلفين بطبعهم في مظهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وسلوكهم وقيمهم، لهم الحق في العيش بسلام، وفي أن يطابق مظهرهم مخبرهم، وهي تعني أيضا أن آراء الفرد لا ينبغي أن تفرض على الغير.

التسامح الذي يلزمه العصر لتحقيق الوئام على المستوى الدولي هو أن يلقى التعدد الثقافي الذي يميز الأسرة البشرية قبولا واحتراما من جانب الأفراد والجماعات والأمم. فبدون التسامح لا يمكن أن يكون هناك سلام في العالم.

إن التسامح الذي يقود التعايش والاستقرار الاجتماعي وتطوير أواصر وأسباب التعاون بين مختلف أبناء المجتمع، هو من صميم القيم الإنسانية النبيلة، فالأصل في العلاقات الاجتماعية والإنسانية، أن تكون علاقات قائمة على المحبة والمودة والتآلف، حتى ولو تباينت الأفكار والمواقف، بل إن هذا التباين هو الذي يؤكد ضرورة الالتزام بهذه القيم والمبادئ. فالتسامح اليوم ليس فضيلة فحسب، بل هو ضرورة اجتماعية وثقافية وسياسية لأنه البيئة التي تثمر فيها الأفكار ويتحقق فيها التنوع والتميز، وينتج التسامح قيمة أخلاقية أساسية في السلم المجتمعي والاحترام المتبادل.